بسمه تعالى
اللهم صل وسلم على محمد وآله الأطهار
إن أحببت زائري الكريم التسجيل معنا فمرحبا بك أخا وعزيزا
وإن أحببت أن تسجل دخولك فمرحبا بك ونسعد بتواجدك
ولانسألكم سوى الدعاء
SmileSmileSmile

موفقيــ،ـ،ـن
بسمه تعالى
اللهم صل وسلم على محمد وآله الأطهار
إن أحببت زائري الكريم التسجيل معنا فمرحبا بك أخا وعزيزا
وإن أحببت أن تسجل دخولك فمرحبا بك ونسعد بتواجدك
ولانسألكم سوى الدعاء
SmileSmileSmile

موفقيــ،ـ،ـن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول


 

 ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 12:57 pm

هلا حبايبي

مما قرأت وحاز على إعجابي



أيديولوجية الدعوة إلى الحداثة -1

سعيد عبد الكريم الخباز


‏السبت‏، 21‏ يوليو‏، 2007

=======================
في تصوري: لا بد أنه كان هناك شخصا ما، في زمن ما، وفي مكان ما، من فصيلة
"فيثاغوروس" و "أمبريقوس"، يسمى "أيديولوجوس"؛ يقول ما يعني، في لغةٍ تقبل
"التأويل"، يفهما من شاء، كيفما شاء ... لكن، وفي كل الأحوال: تظل القوى
الحقيقية المحركة مجهولة لديه (1) ، وبدون هذا ... لا تؤثِّر الرسالة!

وإذا كان سماحة السيد حسن نصر الله قد تحدث عن حيفا، وما بعد حيفا، وما
بعد – بعد حيفا، فإني أعترف بعجزي المركّب في فهم دعوة الأخ الدكتور توفيق
السيف لتبني الـ "حداثة" فقط، في عصر ما بعد – بعد الـ "حداثة"؛ وفي الوقت
ذاته يفرضها كـ "حاجة دينية". وأعترف، أيضا، بعجزي عمّا إذا كانت الـ
"حاء" في كلٍ من "حيفا" و الـ "حداثة"، هما نفس الـ "حاء"!

وتأبى عليّ "حماقتي" المعهودة إلا أن أكون – في زمن السباحة مع "التيار" – أن أسبح – برغم عدم إجادتي للسباحة في الأصل – ضد التيار!

وتخيفني، حقاً، هذه الحماقة؛ ليس من رد فعلٍ من الدكتور "السيف"؛ فهو قد
أوجع فيّ كل مضرب خلال مناظرتي إياه، ولا زلت أتحسس مواطن الألم، وأناظر،
فلا أرى للكدمات من أثر؛ وذلك لنعومة قفازات، ردوده، المخملية على
اعتراضاتي. لكن، وكأني ببعض الأقلام "التجريدية – الحداثية" تثب على هذا
العبد الفقير لله، تقريعاً، وتأنيباً، وحتى تأديباً لما تسوّل به نفسي
الأمارة بالسوء، وتخطه مداداً في الأسطر التي تلي هذا "التمسكن".

إن المشروع الحداثي، بادئ ذي بدئ، يحمل في طيّاته خصوصيات فكرية وفلسفية
لحضارة مغايرة، بل معادية للدين، بصفة عامة، وللثقافة الإسلامية، على وجه
الخصوص؛ وهذا – في ظني – سبب كافِ ليحدث شروخا في جوهر هذا المشروع.(2)

فالبدائل الفكرية، (كـ "الحداثة") التي حاولت دفع الإسلام عن الساحة،
وإخراجه من المجتمع، كلها قد جُربت في عالم المسلمين، فلم تزدد بلاد
الإسلام، بعدها، إلا انتكاسا، والأوطان إلا تخلفا وضياعاً، وفرقة.(3) هذه
البدائل الفكرية تَرِدُ، لبلاد المسلمين، عبر جملة من الكتاب الذين خطف
أبصارهم بريق الشرق والغرب يحطون من قدر الإسلام، وينتقصون من شأنه،
ويتصورون أن الإسلام ليس إلا عقيدة ومسجداً، وأنه مرتبط بالله فقط، مصدقين
المثل الغربي المشهور: "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".(4)

هذا المشروع هو "أكبر من برنامج عمل مثل تلك البرامج التي تضعها الحكومات
أو الشركات؛ هو أقرب إلى حراك مجتمعي يساهم فيه كل فرد أو نسبة معتبرة من
الأفراد، كلا بحسب خلفيته وطبيعة همومه واهتماماته".(5) إنه مشروع مرتبط
بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة؛(6) لكنه، في الوقت ذاته، منقسمٌ
سياسيا، ليس فقط بين الحركات المختلفة، بل أيضا، وداخل كل حركة. وهو،
بحجمه هذا، يعبر كلّ حدود الجغرافيا والقوميات، وحدود الطبقات، والدين.

هذا المشروع "المؤدلج" يستهدف تأدية دور تاريخي غير ذي شفافية، يظهر وكأنه
يسعى إلى "تحديث" اللغة، والعقد الاجتماعي، والسلطة الدينية، لجعلهم
يتماشون مع ما يراد لنا أن نؤمن به أنه ضروري في حياتنا. فأن نكون حداثيين
يعني أن نجد أنفسنا في بيئة مليئة بصنوف المخاطرة، والقوة، والمتعة،
والثروة، وتحولات الذات والعالم من حولنا – وأن تتهددنا في الآن نفسه
مخاطر في وسعها أن تدمّر كل ما نملك، وكل ما نعرف، وكل ما نحن عليه. (7)

هذا المشروع "الجدلي – المادي"، يأتي ضمن "سلسلة من التساؤلات يتلو كل
منها ما يشبه الجواب، لكنه جواب مؤقت، إذ لا يلبث أن يثير سؤالا آخر
...."،(Cool وكأن الدكتور السيف يكرر إحدى حجج الفيلسوف "أجريبا" تلميذ
"اينسيديموس": كل قضية تتطلب برهانا، والبرهان يحتاج إلى برهان آخر للحكم
عليه، وهكذا تتداعى البراهين إلى ما لا نهاية.(9) وقد استخدم "الدكتور
السيف" الجدل السقراطي بحرفية عالية ليغطي بذلك على "الجدلية المادية"
لمشروع الحداثة.

وفيما يعني الجدل السقراطي فن الحوار أو البحث عن الحقيقة عن طريق السؤال
والجواب – وهو ما اتبعه الدكتور السيف في كتابه – فقد رأى سقراط، أيضا وفي
المقابل، أن تعريف أي تصور هو نوع من البحث عن الحقيقة – وهو (التعريف) ما
تجنبه كثيرا الدكتور السيف. وقد أضيف، إلى الجدلية السقراطية، طريقة أخرى
سماها أرسطو فيما بعد الاستقراء؛ وهي طريقة تبتدئ في أغلب الأحيان من
ملاحظات جزئية وتنتهي إلى تصور عام، يصححه صاحبه فيما بعد عن طريق قيامه
بملاحظات مختلفة أخرى. وجديرا بالذكر أن التهكم، والتظاهر بالجهل، وعدم
توجيهه للنقد، كان – كل ذلك – سمة ذاتية للجدل السقراطي.(10)

وهذا المشروع "المتحيّز"، تكون المصطلحات المصاحبة له محملة بتحيزاته،
وتعبر عن رؤيته لنفسه وللآخر؛ ومن ثم، فمثل هذه المصطلحات ليست بريئة؛
بعكس الاعتقاد السائد بأنه "مشروع محايد"، محدد المعنى والدلالة.(11)

وهذا المشروع "المؤقت – المزدوج"، كما يصفه "بودلير"، (وهو أول من استخدم
مصطلح "الحداثة" عام 1863) في مقالته الأصلية "رسّام الحياة الحديثة"،
بقوله: "إن الحداثة هي المؤقت، وسريع الزوال، والجائز، وهي نصف الفن ...."
فتاريخ الحداثة كان يتمايل – من الجانب المؤقت، وسريع الزوال، إلى الأبدي
والثابت – في صياغة مزدوجة وكأنها تتأرجح في المعنى، لتستقر في الاتجاه
المعاكس. فأن تكون حديثا، هو أن تكون جزءا من عالم ازدواجي، حيث، كما يقول
"كارل ماركس": كل ما هو صلب قد تبخر في الهواء"!(12)

وهذا المشروع "التشكيكي – الهيراقليطيسي/الديكارتي" الذي يحاول الدكتور
السيف أن يرسم له بالقول أن ”كل سؤال هو نتاج شك في الواقع"،(13) ينبع،
أولا، من الشك الذي أعاد تأسيسه "ديكارت" بناء على ما رآه في أسفاره من
اختلاف العادات والآراء، وتباين العقائد والمدركات، وما تبيّنه من تأثير
التربية على أخلاق الشعوب. وأهم ما تنبه له "ديكارت" في رحلاته، هو الشك
في قيمة الرأي العام، والاستهانة بكثرة الأصوات، لأن إجماع الأمة على رأي
– عند ديكارت – لا يدل على أنه الرأي الذي يتوجب على الأمة إتباعه؛ فقد
يكون رأي فرد واحد، حملت عليه الأمة لسبب من الأسباب. لكن "ديكارت" لم يرَ
من الحكمة أن يخرج على ما في بلاده من عادات وقوانين، بل رأى من الخير
(البرجماتية) أن يحافظ على الدين الذي نشأ عليه، وأن يسير على أكثر الأمور
قبولا واعتدالا عند أهل عصره، حتى يتمكن من وضع مذهبه في طمأنينة
وسكون.(14)

لكننا، عندما نعود إلى المؤسس الحقيقي لـ "مذهب الشك" – الفيلسوف اليوناني
هيراقليطس – الذي قال بأن كل الأشياء في تغير مستمر، فالمرء لا ينزل النهر
الواحد مرتين لأن مياها تجري من حوله باستمرار(15) ؛ نستنتج أن "الدكتور
السيف" – بشكه في الواقع – يعمّق مشكلة الحداثة لدينا. فنحن، بموجب "شك
هيراقليطس" لا نستطيع معرفة أي شيء، لأننا إذا عرفناه في حالة معيّنة، ما
يلبث أن يتغيّر، فيكون شيئا غير ما عرفناه .... وهكذا – إذا ما عدنا إلى
أن "كل سؤال هو نتاج شك في الواقع" – فعندئذٍ، تستحيل معه معرفة الثوابت.

أكتب هذه الحلقة، ضمن سلسلة (كما أتمنى) عن "الحداثة" بصفة عامة، وكتاب الدكتور توفيق السيف: "الحداثة كحاجة دينية"، بصفة خاصة.

فقد تساءل الدكتور عبد الله الغذّامي عن ماهية "الحداثة"؛ وأجاب بأن "هذا
السؤال شكله بسيط، ولكن الذي وراءه أخطر بكثير من كل ما يمكن لعاقل أن
يتوقع."!(16)

فهل هناك شيء "أخطر بكثير من كل ما يمكن لعاقل أن يتوقع"؟

هذا ما سأحاول البحث عنه في الحلقات القادمة.


=============
1- إنجلز في رسالة إلى مهرنج Mehring بتاريخ 14 يوليو 1893
2- عبد الغني باره، إشكالية تأصيل الحداثة، ص 5
3- السيد محمد الحسيني الشيرازي، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص 477
4- المصدر السابق، ص 476
5- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 7
6- باره، مصدر سابق، ص 15
7- مارشال بيرمان، كل ما هو صلب قد تبخر في الهواء – تجربة الحداثة، ص 15
8- السيف، مصدر سابق، ص 7
9- عبد المجيد عبد الرحيم، مدخل إلى الفلسفة بنظرة اجتماعية، ص 180
10- محمد فتحي عبد الله، الجدل بين أرسطو وكانط، ص 14
11- عبد الوهاب المسيري، دراسات معرفية في الحداثة الغربية، ص 33
12- ديفيد هارفي، حالة ما بعد الحداثة – بحث في أصول التغيير الثقافي، ص 27
13- السيف، مصدر سابق، ص 8
14- زكي مبارك، الأخلاق عند الغزالي، ص 337 – 339
15- عبد الرحيم، مصدر سابق، ص 175
16- عبد الله محمد الغذّامي، حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية، ص 33


يتبع


موفقين


عدل سابقا من قبل أثير المحبه في الخميس أبريل 30, 2009 5:37 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:02 pm

أيديولوجية الدعوة للحداثة – 3

شهادة وفاة "الحداثة" سُجِّلتْ، بكل دقة – كما تُسجّل كل شهادات الوفاة:

اسم المتوفى: الحداثة
تاريخ الوفاة: 15 يوليو، 1972
ساعة الوفاة: الثالثة والدقيقة الثانية والثلاثين مساء (15:32)
سبب الوفاة: نسف مبنى "برايت – إيغو Bright Ego" لسكن ذوي الدخل المحدود
في سانت لويس والذي سبق وأن نال جائزة "لوكربوزييه" حول "آلة العيش
الحديث"(1)

فإذا كان من أحد يدعونا إلى "الحداثة" في عام 2007، أي بعد 35 عاما من وفاتها، فكأنه يدعونا لحفلة على "ميتة"؛ وهذا، حسب علمي، حرام!

قال لي صاحبي، وكأنه يتساءل في صوت مرتفع: لكن، تبقى، في تلك الشهادة،
ثغرة قانونية ينبغي لنا أن نسدها لكي لا تبدو لنا هذه "الحداثة" وكأنها
الـ "هيدرا" الأسطوري الذي كلما قطعت منه رأسا، وتوهمت، إثر ذلك، بأنك
تخلّصت منه للأبد، نما له – بدل الرأس – عشرة! فلا يجوز أن تكون شهادة
الوفاة بدون تاريخ، أو مكان، للميلاد، فلا تعرف، عندها، هل أنت تدفن
"حداثة" شابة، أو عجوز.

قلت لصاحبي: هذا "فريدريك انجلز" الذي يلقبها بالإصلاح – نتيجة لمصابهم
الوطني (كما يقول) – والتي يطلق عليها الفرنسيون "النهضة"؛ يؤرخها بالفترة
"التي تبدأ مع النصف الثاني للقرن الخامس عشر، حين كان الشعب الروماني
يعيش الفكر الحر والمتفائل – الموروث عن العرب – والتشرب بالفلسفة
الإغريقية، المكتشفة حديثا، والتي حضّرت لمادية القرن السابع عشر؛" ويصفها
بأنها "موغلة في التجذر باستمرار"(2)

عاد صاحبي يسأل: هل "الحداثة"، فعلا، موروث عربي، كما يخبرنا "أنجلز"؟ أم أنه لم يكن يتحدث عن "الحداثة"؟

قلت لصاحبي: عذرا! إن السيد "إنجلز" كان يتحدث عن "النهضة"، أو الـ
"Renaissance" التي تعني "التولد الجديد"، أو "المولد الثاني"، أو
"الرجوع"، أو "التجديد".

قال صاحبي: أليست هذه هي المسألة التي حملت "عددا من المفكرين" "أواخر
القرن التاسع عشر" على طرحها كحل لـ"هزيمة المسلمين في مواجهة التمدد
الغربي في تلك الحقبة"؟(3)

قلت لصاحبي (مجيبا في صيغة السؤال): أليست هي "النهضة" التي يرى الدكتور
السيف أنها مستحيلة "دون الحداثة"؛ والتي شروطها (شروط الحداثة) "هي شروط
النهضة"؟(4)

قال صاحبي: أرى أن هناك حلقة، ما، مفقودة. فإما نحن نتحدث عن الجديد
(الحداثة)، أو نحن نتحدث عن الـ"Renaissance"، أي النهضة (التجديد)؟

قلت لصاحبي: كلمة حداثة في اللغة العربية مشتقة من الجذر (ح – د – ث).
و"حَدَثَ الشيء يحدث حدوثا وحداثة، فهو محدث وحديث. وحدث الأمر أي وقع
وحصل، وأحدث الشيء أوجده، والمُحدِث هو الجديد من الأشياء."(5)

أما في اللغة الفرنسية، فإن الصفة حديث Moderne أقدم تاريخيا من اللفظ
حداثة Modernite وكلمة حديث Moderne تقابلها في اللاتينية Modernus التي
تظهر في أواخر القرن الخامس بعد الميلاد وتأتي من كلمة Modo التي تعني
الآن أو مؤخرا أو حالا. وقد استعملت بهدف التمييز بين الماضي الروماني
الوثني، والحاضر المسيحي. وقد ازداد استعمال لفظ حديث منذ القرن العاشر،
في الميدانين الفلسفي والدين، ويكاد يستعمل دوما بمعنى ضمني للدلالة على
الانفتاح والحرية الفكرية، أو بمعنى عامي للدلالة على الخفة وحب التغيير
لأجل التغيير.

أما لفظ حداثة modernite فلم يأخذ معناه ودلالته إلا في القرن التاسع عشر.
وقد ارتبط بأعمال "شارل بودلير" (1821 – 1861) الذي يعتبره أغلب الدارسين
أبا للحداثيين لأنه أول من حاول تقديم صياغة نظرية للحداثة. والحداثة عند
"بودلير" هي المؤقت والعابر، وهي الجمال الموجود في الموضة التي تتغير في
كل فصل من الفصول.(6)

وإذا كان الدكتور السيف يرى أن الحداثة هي "مفهوم واسع نسبيا يضم بين
أجزائه عناصر تتعلق بالسياسة والاقتصاد والثقافة والإنسان واستثمار
الموارد"،(7) فإن "جون بودريار" يخالفه الرأي؛ ويذهب إلى أن الحداثة ليست
مفهوما اجتماعيا أو سياسيا أو تاريخيا بحصر المعنى، وإنما هي صبغة مميزة
لحضارة تعارض صبغة التقليد؛ أي أنها تعارض جميع الثقافات السابقة
والتقليدية.(Cool

قال صاحبي: فهي ليست النهضة، إذن؟

قلت لصاحبي: النهضة، لغة، من النهوض: البراح من الموقع والقيام عنه؛
وانتهض القوم وتناهضوا: نهضوا للقتال. وناهضته أي قاومته. والنهضة: الطاقة
والقوة؛ وأنهضه بالشيء أي قواه على النهوض به. ونهض الطير: بسط جناحيه
ليطير. والناهض: فرخ العقاب الذي وفر جناحاه ونهض للطيران. والنهضة، بسكون
الهاء: العتبة من الأرض تبهر فيها الدابة أو الإنسان يصعد فيها من غمض.(9)


وعصر النهضة الذي يتحدث عنه القوم ابتدأ منذ النصف الثاني من القرن الرابع
عشر واستمر حتى بداية القرن السابع عشر، أي حتى ظهور "ديكارت". هذا يعني
أنه استمر حوالي ثلاثة قرون، ولكنه بلغ أوجه في القرن السادس عشر بدون شك.
وهو في رأي البعض يمثل مرحلة انتقالية مترجرجة بين العصور الوسطى وعصور
الحداثة.(10)

قال صاحبي: تقصد أن عصر النهضة يضع رجلا في العصور الوسطى، ورجلا أخرى في عصر الحداثة المتوفاة؟

قلت لصاحبي: يرى البعض أن عصر النهضة لم يكن يمثّل قطيعة مع العصور
الوسطى، بقدر ما كان يمثل استمرارية تواصلية على كافة الأصعدة من اجتماعية
واقتصادية وسياسية.(11)

قال لي صاحبي: أراك قد تماديت في تقليد الدكتور السيف في حواره مع صاحبه،
تعتمد التأني في إخراج الكلمات، تحاول الاختيار "من الألفاظ أفخمها
وأعظمها، فيخرج الكلام باردا باهت الملامح، خاليا من الروحانية والحرارة
التي اعتدت ملاحظتها في حديث كبار القوم، مثل ممثل مبتدئ يحاول إتقان
البروفات قبل أن يصعد على خشبة المسرح."(12)

قلت لصاحبي: استر، يا سيدي، ما ستر الله. فقد كنت أحاول الابتعاد عن تعرية
عصر النهضة والذي هو، في الحقيقة، لا يعدو "إحياء لعلوم" الإغريق ونسبتها
لرهط من الألمان والفرنجة، نكاية بـ"عصر النهضة الإسلامية"، والذي جاء
بدوره نكاية في بعضه البعض.

فبداية عصر النهضة الإسلامية كان على يد "خالد بن يزيد بن معاوية" عام
85هـ عندما أمر بنقل كتب الطب والكيمياء (13) نكاية بآل هاشم، والطب
النبوي. و"تبلغ حركة النقل والترجمة ذروتها في العصر العباسي خاصة أيام
الخليفة المأمون"(14) في نهاية القرن الثاني الهجري.

وإذا كانت الرواية "الشعبية" تذهب إلى أن أحد الأسباب في كثرة كتب الفلسفة
وغيرها في عصر المأمون كان، كما أورد ابن النديم في فهرسه "أن المأمون رأى
في منامه كأن رجلا أبيض اللون مشربا بالحمرة، واسع الجبهة مقرون الحاجب،
أجلخ الرأس أسهل العينين حسن الشمائل، جالسا على سريره، فقال المأمون:
وكأني بين يديه قد ملئت هيبة، فقلت من أنت؟ قال ارسطاطاليس. فسررت به وقلت
أيها الحكيم أأسألك؟

قال: سل. قلت: ما الحسن؟ قال: ما حسن في العقل. قلت: ثم ماذا: قال ما حسن في الشرع. قلت: ثم ماذا؟

قال: ما حسن عند الجمهور. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم لا ثم"(15)؛ فإن الواقع
التاريخي يشهد بأن "تشجيع خلفاء بني العباس لترجمة تراث اليونان، إنما كان
لأيديولوجية سياسية تبنتها الدولة العباسية"(16) نكاية بآل أمية.

قال صاحبي: ثم ماذا؟

قلت لصاحبي: ثم لا ثم، في هذه الحلقة!
=============

المصادر:
1- (ديفيد هارفي، حالة ما بعد الحداثة – بحث في أصول التغيير الثقافي، ص 61)
2- (طيب تيزيني، بيان في النهضة والتنوير العربي، ص 19)
3- (توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 19)
4- (المصدر السابق، ص 59)
5- (ابن منظور: لسان العرب، مج 3، ص 907)
6- (فارح مسرحي، الحداثة في فكر محمد أركون، ص 20)
7- (السيف، مصدر سابق، ص 59)
8- (مسرحي، مصدر سابق، ص 21)
9- (ابن منظور، لسان العرب، ج 8، ص 4560)
10- (هاشم صالح، مدخل إلى التنوير الأوروبي، ص 68)
11- (المصدر السابق)
12- (السيف، مصدر سابق، ص 71)
13- (ديفيد سانتلانا، المذاهب اليونانية في العام الإسلامي، ص 9)
14- (المصدر السابق)
15- (ابن النديم، الفهرست، ص 353)
16- (الفكر الإسلامي وتراث اليونان، أميرة حلمي مطر، ص 12)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:07 pm

اقتباس :
علي

[ السعودية - القطيف ]: 27 / 7 / 2007م - 12:22 م
الأستاذ الفاضل سعيد
لماذا فقط المسلمين في هذا العالم من يرفض التغيير , لماذا كل هذا الخوف
على دينهم فكل فكرة يفسرونها بأنها تستهدف دينهم , وكأن هذا العالم لا شغل
له إلا المسلمين , متى سنتخلص من نظرية المؤامرة , كل العالم أخذ بالأفكار
الجديدة ولم يخافوا على أديناهم فهذه الهند ظلت هندوسية وشرق آسيا لم
يغيروا بوذيتهم واليهود ظلوا يهوداً وأوربا نفسها التي خرجت منها الحداثة
لا زالت مسيحية
مشكلتنا الحقيقية هي رجال الدين لدينا والذين يخوفونا من كل جديد وكل هذا خوفاً على مصالحهم وفقدان سيطرتهم


سأورط نفسي بمحاولة التصدي لهذه المداخلة العميقة، والأسئلة التي تحتوي،
متوخياً أقصى درجات الحذر لئلا أُوصم بالتخلف والرجعية … وحتى "التخريف".
وبما أني قد أوضحت في الحلقة الأولى بأنني - في زمن السباحة مع «التيار» -
و برغم عدم إجادتي للسباحة في الأصل - سوف أسبح ضد التيار؛ فهنا سوف أحاول
السباحة "منفردا" ضد كل التيارات الحداثية، في مغامرة غير محمودة العواقب!

وسأجيب على التساؤل – "لماذا فقط المسلمين في هذا العالم من يرفض التغيير"
– بأنه، عكس ما يعتقد كل الذين يدعوننا إلى "التقدمية"، و"الثورية"
و"الحداثة"، فإن الدين الإسلامي – ببساطة – لا "يحبذ" التغيير. والذين
أقنعونا بضرورة، أو حتمية، التغيير باجتزائهم جزء من الآية الكريمة: لَهُ
مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا
فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (1) ، إنما
"يمررون" علينا "أيديولوجيات" مثل التي أسس لها "كارل ماركس": "الأخلاق،
الدين، الميتافيزيقيا، ..... وما يتجاوب معها من أشكال الوعي، لن تحتفظ
بالاستقلال. إنها بلا تاريخ، وبلا تطوّر؛ لكن البشر وهم يطوّرون إنتاجهم
وتعاملهم المادي يغيّرون – فضلا عن ذلك – وجودهم الواقعي وتفكيرهم،
ومنتجات تفكيرهم."(2)

والذين اختاروا "اجتزاء" الآية الكريمة السابقة، لا يجرؤون على ذكر الآية
الكريمة الأخرى والتي لا يمكنهم اجتزاؤها: ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ
يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ
مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(3) ؛ فلو ذكروها لفضحوا
أنفسهم، وأحبطت أعمالهم.

ونحن عندما نتصدى لمثل هذا الاجتزاء، فإننا لا ندعو إلى التخلف؛ بل
بالعكس. فالقرآن الكريم يدعو إلى "العلم"، و"العمل"، و"التفكّر"،
و"التدبّر"؛ لكن لا أعتقد أن الدين الإسلامي يدعو إلى التغيير، فهو يدعو
إلى "الهدى" و"الصراط المستقيم". فعندما خاطب الله، سبحانه وتعالى، الذين
أسلموا، لم يمن عليهم بـ "التغيير"، لكن الخطاب كان واضحا، مبينا في قوله:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ
إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ
لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(4). وقبل هذه الآية الكريمة، وفي نفس
السورة المباركة كان يذكّر المؤمنين بالطريقة المثلى التي أوصلتهم للطريق
السوي: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي
كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ
إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ
الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ(5)

وإذا كان الدكتور السيف يعتقد بان "الربط بين الدين والنهضة فيه تكلّف غير
مستساغ"(6)، ويتساءل "كيف ينهض المسلمون من سباتهم المزمن، وكيف يعودون
إلى قطار الحضارة بعدما نزلوا أو أنزلوا منه"(7)؛ فإني استغرب – حقيقة –
كيف يجزم بأنه ليس هناك "ثمة رابط موضوعي"(Cool بين الدين والنهضة، وان "شرط
الارتباط قيد زائد لا ضرورة له"(9)؛ في حين أن "الارتباط" في القرآن
الكريم كان واضحا بوعد من الله سبحانه، الذي لا يخلف الميعاد: وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ(10)

أما "لماذا كل هذا الخوف على دينهم فكل فكرة يفسرونها بأنها تستهدف دينهم،
وكأن هذا العالم لا شغل له إلا المسلمين، متى سنتخلص من نظرية المؤامرة"،
فسوف أترك المجال، في هذه العجالة، لـ"اللورد كرومر" ليجيب عن هذا السؤال
بصفة عامة، والمؤامرة بصفة خاصة: "إن المسلم الذي يتأسس بالغرب، يصبح "لا
أدريا"، فهل ثمة ما يمنع المرأة المسلمة أن تكون "لا أدرية" أيضا، إذا ما
أتيح لها أن تنال نصيبها من التعليم الغربي؟ لا أعلم. ولكن، نظرا إلى أن
المرأة المسلمة أضعف إيمانا وأوهن اعتقادا في الإسلام من الرجل المسلم،
فإننا نتوقع أن تكون استجابتها لتحرير نفسها من الأفكار والمعتقدات التي
أحيطت بها منذ طفولتها، أقوى من استجابة الرجل، ومن ثم يتعيّن على
المصلحين الأوروبيين العلم على تعليم المرأة"(11)

ويستلم "القس جون موط J. Mott" – رئيس مجلس الكنائس العالمي عام 1925 –
طرف الخيط: "إن وضع المرأة، وخاصة في المدن، وإقبالها على التعليم،
وارتيادها أماكن اللهو، وتحررها من الحجاب، وظهور الأندية النسائية،
واتجاه الشباب نحو تأجيل الزواج، كل ذلك يشير إلى .... أن هناك تحولات
كبيرة في مجال الفكر؛ فقد ظهرت عقلية جديدة تتطلع إلى المعرفة. ولكن، أهم
من ذلك، الهزة التي أصابت المسلمين في عقيدتهم، وأفضت بكثير منهم إلى
الحيرة، فأصبحوا لا يدرون إلى أين يتجهون (اللا أدرية)، وتتواتر الأدلة
على ظهور تمرد على التقاليد ..... فالمجال (لتغيير) المسلمين أصبح مفتوحا
أكثر من ذي قبل، بفضل الأوضاع السياسية في العالم الإسلامي ...... وهناك
الطلاب المسلمون الذين يتلقون العلم في أوروبا، وأفواج المسلمين الذين
يزورون (الغرب) كل عام وهم أكثر عددا من إخوانهم الذين يتجهون نحو مكة. لم
يعد اختراق صفوف المسلمين يمثل مشكلة...."(12)

وسأختم هذه "الحلقة المعترضة" بكلمات لـ "مونتيسكيو": إذا عرفت أن ثمة شيء
سوف تكون فيه فائدة لي، لكنه ضار لعائلتي، فإنني سوف أطرده من عقلي. وإذا
عرفت أنه سوف يكون فيه فائدة لعائلتي، لكنه ضار لوطني، فإنني سأعتبره
جريمة.(13)

وأضيف أنني إذا عرفت أن ثمة شيء، ربما، تكون له فائدة لفئة، لكنه ضار
بالعقيدة والمجتمع على المدى البعيد، فإنني سأجرد قلمي المتواضع للتصدي له.
============

مصادر:
1- {الرعد/11}
2- كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية، ص 47 – منقول من: بول ريكور، محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا، ص 142
3- {الأنفال/53}
4- {الحجرات/17}
5- {الحجرات/7}
6- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 13
7- المصدر السابق، ص 7
8- المصدر السابق، ص 13
9- المصدر السابق، ص 13
10- {النور/55}
11- Cromer, Modern Egypt, Vol. 2, pp 540-542
12- J. R. Mott, The Outlook in the Moslem World, pp 362 – 369
13- ريتشارد كيرني، جدل العقل – حوارات آخر القرن، ص 23
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:09 pm

أيديولوجية الدعوة للحداثة – 4

"ملتقى كل الهرطقات"!

هكذا وصف البابا "بيوس" العاشر الحداثة قبل قرن من الزمان (عام 1907).

هدف الداعون إلى الحداثة كان السعي إلى تطوير جذري للعقائد وتجديد اللاهوت
وتاريخ التفسير الديني بوسائل تتفق والتفسير(1) القائم على اللاأدرية،
والداروينية، والهيومانية (مركزية الإنسان)، والرمزية، والبرجماتية. فهل
هذا ما قصده الدكتور السيف عندما يقول: إن " الغرض من التجديد المنظور في
هذه المرافعة هو .... إعادة إنتاج الثقافة الدينية ضمن شروط العصر الذي
يعيشه إنسانها"؟(2) وهل "شروط العصر" تتضمن اللا أدرية، والداروينية
الاجتماعية، والهيومانية، والرمزية، والبرجماتية؟

وقد تم استخدام عبارة الحداثة منذ القرن التاسع عشر للإشارة إلى الاتجاهات
المعادية للمسيحية في العالم الحديث.(3) ونحن، الآن، نرى أنها تستخدم
كإشارة إلى الاتجاهات المعادية للإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

ومن هذا المنطلق، ستكون الحداثة واقعا عندما يستبدل المسلمون قضاة الشرع
والفقهاء بالمحامين والقضاة المدنيين، والشيوخ المعممين بالأساتذة
الحاسرين الرؤؤس؛ وعندما "يكفرون" بانقلاب العصي أفاعي، والنار برداً
وسلاماً، وإحياء الموتى، والصعود من القبر ... وعندما تزال المفاهيم
الشرعية "المتقادمة" مثل شهادة المرأة، والدية، والامتناع عن تقاضي الربا
في المعاملات المصرفية ... وعندما تلغى العقوبات الشرعية على الزنا،
والعلاقات الجنسية على وجه العموم.(4)

وستكون الحداثة واقعا ملموسا عندما يتم إزاحة سلك رجال الدين بطوائفه
المختلفة عن موقع الصدارة من الحياة الاجتماعية وتستبدل بها الإرساليات
الأجنبية العلمانية، وحتى الدينية (لاحظ التناقض في هذا المشروع الحداثي)
التي نشرت – مجتمعة – ثقافة علمية "حديثة".(5) فهل هذا ما يلمح له الدكتور
السيف في قوله: إن "الإسلام لم يخرج يوما من نفوس المسلمين، لكنه مع ذلك
فقد وظيفته الاجتماعية، وأصبح شأنا فرديا، يعبّر عن نفسه بصورة محددة في
العبادة والأخلاقيات الشخصية ..."؟(6)

وستكون الحداثة واقعا ملموسا عندما تعتبر "بنيوية التوسير" أنه لا فرق في النقد الأدبي بين القرآن واي نص آخر.

وأخيرا، ستكون الحداثة واقعا ملموسا عندما تحقق أحد أهم أهدافها المتمثلة
في المساس بالذات الإلهية بتصوير ما لا يمكن إدراكه أو رؤيته أو جعله
مرئيا. ولكن كيف يمكن تصوير ما لا يرى؟

إن "كانط" نفسه يقدم الطريق إلى ذلك حين يذكر "اللاشكلية" أو "غياب الشكل"
باعتباره مؤشرا ممكنا إلى ما لا يمكن عرضه. كما يتحدث عن "التجريدية" التي
يمر بها الخيال في بحثه عن طريقة لتصوير اللامتناهي (وهو شيء لا سبيل إلى
تصويره). وهذه التجريدية – وقد لا يعرف، هذا، الكثير من الممارسين لهذا
الفن – ذاتها تقصد تصوير اللامتناهي أو هي عرضه السلبي. ويستشهد بإحدى
الوصايا التوراتية، وهي "لا تنقش الصور" (سفر الخروج) باعتبارها أسمى
عبارات التوراة من حيث تحريم "تصوير المطلق". .... ونظرا لأنه رسم، فهو
بالطبع "يصوّر" شيئا ولو أنه تصوير سلبي (التشيوء reification)، وبالتالي
فهو يتجنب التشبيه أو التمثيل ويجعلنا لا نرى إلا من خلال جعل الشيء
مستحيل رؤيته: التجريدية.(7)

ويتساءل صاحبه ما إذا كانت "العودة إلى الأصول الصافية للدين هي السبيل
لتنظيف الثقافة الإسلامية مما لحق بها من شوائب خلال القرون السالفة حتى
يومنا هذا، وهي مهمة يسيرة طالما أن المصدر الأول (القرآن الكريم) موجود
محفوظ، وهو حكم فصل لا يختلف عليه اثنان"؟ فيرد على صاحبه: "القول بأن
السبيل هو العودة إلى ما وصفته بالأصول الصافية لا يصح على إطلاقه."(Cool
وأنا أتساءل: كيف لا يصح على إطلاقه؟ (هذه "عودة" يا دكتور!)

على هذا، ستأتي "حداثتنا" الإسلامية في دورها العلماني ضمنا، كالعلمانية
على الجملة، من باب إزاحة المؤسسات الدينية عن موقع الصدارة في ميادين
التربية، والفكر، والقضاء، وإزاحة بضاعتها المعرفية معها، وتاليا إزاحة
الاعتبار الديني للأمور العامة(9) – مع الإبقاء على الطائفية التي تغذي
انقسام الأمة.
فمصطلح الحداثة في اللغات الأوروبية قد صيغ بَعْديّا – للتعبير عن شيء قد
كان – عن واقع تاريخي، كامل الوجود والمقومات. أما في الفكر العربي الحديث
والمعاصر فالمصطلح يشير لا إلى واقع تحقق، بل إلى مشروع للمستقبل، يطرح
على صعيد الذهن والوجدان كبديل عن الحاضر، ومن هنا كان التفكير في الحداثة
بحثا عن مشروع، وتفكيرا في نموذج.(10)

والحديث، كله، يدور داخل ثقافة غربية المراجع والمعايير – وهو تصور يعود
إلى "ماكس فيبر" – تدفع بما هو خارج الغرب إلى احتمال ثنائي البعد: أولهما
"الغربنة"، أي أخذ النموذج الغربي كما هو، الأمر الذي يتضمن عدم الاعتراف
بالثقافات غير الغربية، أو الخروج النهائي من الحداثة، طالما أن الأخيرة
(الحداثة) غربية المعايير والأصول.(11) فليس إلا الغرب – عند ماكس فيبر –
مكانا لوجود علم يُعترف "بقيمة" تطوره. هذه الخصوصية الغربية لم تأخذ
مدلولها الحداثي إلا بعد أن أضيف إليها ما يسمى عموما "التتجير"، أي تحويل
كل شيء إلى مادة للتجارة، حتى ما يتعلق بالبنية الاجتماعية وكافة القضايا
المرتبطة بها.(12)

وهنا يأتي التناقض بين هذا "المشروع" الذي يجري البحث عنه، حسب تعبير
"الجابري" و"السيف"، والذي يمكننا وصفه بالتعبير المحلي الصرف: "أما كلّه
وإلا خلّه"؛ وما يعتقده الدكتور السيف في إمكانية الاستغناء عن الغرب بعد
تبني ثقافته، وتعلمها: "نحن بحاجة إلى التعلم من المدنية الغربية كي
نستغني عنها، .... وأملنا أن تعلم من الغرب، ثم نتجاوزه."(13)

فكيف لنا أن نتجاوز الغرب، وحداثته، بدون أن نخسر ثقافتنا، إذا كان احتقار
الثقافة الشعبية، كما يتفق معظم الباحثين، هو أكبر البنود على جدول أعمال
الحداثة؟ فهي قد طوّرت ما يشبه الخوف العظامي والرجعي من الثقافة الشعبية،
رغم أن تياراتها – للمفارقة – استلهمت الكثير من أشكال فنها "الرفيع"
اعتمادا على أنواع وأشكال لم تكن تتوفر سوى في الثقافة الشعبية وحركة
الحياة اليومية.

الواقع الذي تضعنا فيه كل الدعوات إلى الحداثة يتلخص، كما أرى، في أن
نختار بين الغربنة – واقصد بالغربنة الفلسفات (اللاأدرية، والداروينية،
والهيومانية (مركزية الإنسان)، والرمزية، والبرجماتية) التي تمثلها
الحداثة – كليّة بقبولنا هذه الدعوات، أو التخلي عنها بالكامل، وإيجاد
نموذج إسلامي يرتكز في أبعاده (الثقافية، والاقتصادية والاجتماعية،
والسياسية) على الكتاب والسنة، بما في ذلك الموروث الذي لا يخالفهما
(الكتاب والسنة)؛ أو، كما يقول "زكي الميلاد": "العمل على بناء نظرية لنا
في الثقافة من داخل مرجعيتنا ومنظومتنا وتراثنا..... لتحقيق ما نطلبه
ونصبو إليه."(14) فليست هناك حلول وسط، لأنه – كما قال الإمام علي عليه
السلام - "ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة"(15)

فليس في الكتاب والسنة ما يرفض العلم والعمل، أو الأخذ بالمنتجات
"الحديثة" والتعامل "مع التقنية وما توصل إليه الغرب (أو غيره) من منجزات
علمية كمستهلك – (أو صانع) – لها في مسكنه وتنقله واتصالاته ومشاهداته
ومعاملاته التجارية والمالية ... الخ"(16)

لكن "الخلط" بين التقنية وما توصل إليه الغرب، أو غيره، من منجزات علمية،
وبين "الحداثة" كمشروع "فلسفي"، فهو إما "سفسطة"، أو "مشاغبة". وسبب كل من
"السفسطة" و"المشاغبة" إما الغلط حقيقة من القياس، وإما تعمد تغليط الغير
وإيقاعه في الغلط، مع انتباهه إلى الغلط؛ وكل منهما: "مغالطة".
و"المغالطة" التي نعنيها، هنا، تشمل الغلط، وتعمد التغليط، وإن كان في
الحقيقة تضليلا لرواجها على العقول بسبب مشابهتها للحق، أو المشهور(17)،
كخلط "الحديث" بـ "الحداثة"، و"المضاربة" المعتبرة في فقه المعاملات بـ
"المضاربة" في سوق الأسهم ...الخ.

ويتساءل الدكتور السيف، في نهاية الفصل الأول: ربما يضحك علينا كثير من
الناس؟(18) وارى أن الإجابة كانت قبل السؤال: نحن الآن أضحوكة بالفعل؛(19)
أو كما قال "غوار الطوشة" في "ضيعة تشرين": الله وكيلك، يا دكتور، صفينا
مسخرة!
=================


مصادر:
1- زينب عبد العزيز، هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة – الحداثة والأصولية، ص 36
2- توفيق السيف، الحداثة حاجة دينية، ص 9
3- زينب عبد العزيز، مصدر سابق، ص 38
4- عزيز العظمة، عصر النهضة: مقدمات ليبرالية للحداثة، ص 76
5- المصدر السابق، ص 77
6- السيف، مصدر سابق، ص 20
7- بيتر بروكر، الحداثة وما بعد الحداثة، ص 232
8- السيف، مصدر سابق، ص 22
9- العظمة، مصدر سابق ص 77 – 78
10- محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي، ص 22
11- علي أومليل، سؤال الثقافة: الثقافة العربية في عالم متحول
12- ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ص 10
13- السيف، مصدر سابق، ص 9
14- زكي الميلاد، المسألة الثقافية: من أجل بناء نظرية في الثقافة، ص 8
15- محمد عبده، شرح نهج البلاغة، ص 36
16- نجيب الخنيزي، جدل الثقافة بين الخصوصية والكونية/حداثة وتنمية مبتورة – 5، عكاظ، 26/8/2007
17- محمد رضا المظفر، المنطق، ص 385-386
18- السيف، مصدر سابق، ص 48
19- المصدر السابق، ص 46
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:11 pm

أيديولوجية الدعوة إلى الحداثة – 5

هذه الحلقة (الخامسة) لا تزال تعاندني كما لم أُعانْد من قبل؛ فكلما كتبت
مسودة لهذه الحلقة العنيدة، وجدت أنها رتيبة؛ أو لا تقول كلما أريد قوله.
لكني أعود فأسأل: ماذا لعلي أن أقول، ما لم اقله هنا، أو ضمن مواضيع أخرى؟

أعود للخلف ... للماضي ... للتراث ... معترفا بتخلفي عن اللحاق بالحداثة لقناعتي بأنها تخفي خلفها ما تخفي!

وأتخيل ذلك الماضي – الذي يدعونا الدكتور السيف لوضعه على رفٍ، علّنا
ننساه أو نتناساه على الأقل – بكل تناقضاته، وأراه عذبا، وعذابا.

هذا التراث الذي يقول عنه السيف أنه "يرتدي عباءة الدين ويقدم نفسه كمصدر
لكل الإجابات على الأسئلة التي يطرحها عالم اليوم" ويعتقد أن مشكلتنا هي
في "أن معظمنا يصدّق فعلا أن بالإمكان الحصول على أجوبة صحيحة لأسئلة
اليوم في كتب الأموات وسيرهم" (1)

فذهبت أبحث عن معنى. لكنه معنى للتخلف الذي أنا فيه، والحداثة التي يحاول
البعض إقحامنا فيها. وهل العيب في تخلفي المقيت؟ أو في الحداثة المغربنة –
نسبة للغرب، والغراب – التي أبت نفسي أن تذوب فيها؟

فالحداثة تثور على تكريس وظائف التراث؛ وتعيش على التمرد على كل ما هو
معياري. .... والوعي يقيم علاقة جدلية – صراع – بين السرية والافتضاح؛
ويفتنه الهلع الذي يصاحب عملية انتهاك حرمة المقدسات وضرب الثوابت. وفي
الوقت نفسه، نجده يفر دائما من النتائج التافهة لتدنيس المقدسات. (2)

هذا الصراع ... في هذه المرحلة من حياتي ... هل يمثل صراع المعنى، أو صراع
التمسك بالوهم الذي يتمسك بي؟ فليس من الهنات الهيّنات – على حد قول سقراط
– البحث في هذا الصراع. فدرب كهذا كثير المهاوي يحملني على الوجوم؛ لا
خوفا من تعرضي للازدراء – ذلك أمر صبياني – ولكن خشية من أن تزل قدمي عن
الحقيقة فأسقط في ميدان يُخشى فيه السقوط. (3)

فالدكتور السيف يرغب لنا في "نسخة جديدة من الدين" (4). نسخة تتناغم مع
عصرنا الراهن على عدة مستويات تكوّن "الأجزاء الرئيسية" (5) للمشروع الذي
يبتغيه: سياسية، و اقتصادية، واجتماعية، وثقافية.

وأسأل لماذا نسخة جديدة من الدين؟

ويجيب قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة: لأن جمهور الأوروبيين – وتبعهم
قسم عظيم من نخبة المسلمين – ذهب إلى أن الدين هو السبب الوحيد في انحطاط
المسلمين وتأخرهم عن غيرهم، حتى أولئك الذين يشاركونهم في الإقليم
ويساكنوهم في البلد الواحد. (6)

وهذا، بالضبط، ما يقوله الدكتور السيف: خلاصة ما توصلنا إليه أن ما في
نفوس المسلمين هو إسلام ملوّن بلون مجتمعهم. فهو إسلام متخلف مثلهم، عاجز
عن النهوض بهم مثل عجزهم عن النهوض بذاتهم. (7) أفلا ترى أن العالم كله
يستهزئ بنا؟ (Cool

وصرت ابحث عن معنى للمصطلحات التي سهُل تداولها، وسهُل انسيابها في داخلنا!

"فعلى المستوى السياسي تعتبر المساواة" كما يقول السيف، ويضيف لها "حاكمية
القانون وحماية الحريات العامة هي الحد الأدنى من متطلبات التحديث،
ويتلوها المشاركة السياسية وصولا إلى الديمقراطية الكاملة" (9)

وأول ما يصطدم في داخلي، وأنا الأوتوقراطي المستبد، ما يتغنى به دعاة
الحداثة بدون التفكير في العمق الفلسفي لهذين المصطلحين اللذيذين:
المساواة والديمقراطية.

فقلت في نفسي ولنفسي: انتقل لشيء أسهل عليك فهمه واستيعابه، بدلا من أخطار
السياسة على صحتك المتهالكة ... ماذا عن الثقافة الجنسية، مثلا؟

هذا موضوع حداثي يثير شجن العجوز، وقد يثير ما لا تقدر عليه العباية
الكتافي التي رأتها "قريبتي" مرسوم على "مؤخرتها" باللون الأزرق صورة فتاة
"مستلقية"! رأت كل ذلك وهي تمشي خلف تلك الفتاة قادمتين من العمرة بعد
وصول الطائرة لمطار الدمام!

في الثقافة الجنسية مصطلحات جميلة لا يعيبها شيء. إلا أنها تحمل في طياتها
معاني تختلف جذريا عما في كلماتها من جمال مثل كلمات "نشر الحرية"
و"الديمقراطية" ... فماذا تعني هذه الثقافة؟ (10)
تعوذت بالله ... لماذا هذه "الديمقراطية" تلاحقني حتى عندما أحاول الهرب منها للثقافة الجنسية؛ أو حتى للمساواة بين الجنسين؟

وحاولت الهرب مرة أخرى إلى قصة لإحدى النساء (الحداثيات) التي تخبر بأنها
خضعت لعمليات شد في فخذيها وصدرها وقررت أن تلبس كل ما هو مثير لسبب أنها
أنفقت أموالا طائلة على العمليات ولا يجوز إخفاء ما كلفها وزوجها الكثير،
علما أنها تجاهر أنها لم تكن من مناصرات موضة العري والقصير. (11)

وهنا، تدخلت الذاكرة المتهاوية لهذا العجوز لتنقذه من شرور السياسة – مع
أن السياسة أنثى - عندما تذكرتُ الأخت "داليا كاظم" في مداخلة كريمة لها
على ما ورد في الحلقة الثالثة، وهي تقول: "لأن الحداثة أنثى، فلنا أن نفهم
تخويفنا منها. وحربك للسيف غيرة الرجل الشرقي كما هي فيما قبل – قبل
الحداثة، الذي يقرر وأد الحداثة (الأنثى) على أن تسجل في عصمة غيره"!

إن مصطلح الحداثة، يا داليا، قد لا تكون له جدوى إذا لم يكن يتعلق بتساؤلات من قبيل التساؤل عن المساواة ودور المرأة. (12)

لكنه أفلاطون الذي يأخذنا إلى ما هو أبعد قليلا من الرجل والمرأة!

يأخذنا إلى حد المساواة بين الإنسان والكلاب؛ ويقول أنه يتبع الطبيعة
عندما ينادي بالشيوعية وبمساواة النساء والرجال: ألا ترى الأنثى من كلاب
الصيد والرعي تشارك الذكر كل شيء؟ (13) أو أنها يجب أن تلزم أماكنها لأنها
غير قادرة – لانشغالها بولادة الأجرية وتربيتها – وأن على الذكور العمل
والسهر؟ (14)

لا! ففي الإمكان تقسيم الشيوعية بين الناس كما هي بين البهائم. (15)

وقد فاتني أن أذكر إلى أي حد تمتد هذه الحرية المتبادلة – المساواة – بين الرجال والنساء. (16)

ستكون نساء حداثتنا يُربين تربية الرجال ويتلقين تعليم الرجال، ثم يُولين
نفس المهام في السلم وفي الحرب كالرجال على السواء. ولما كانت المرأة
ستشارك الرجل في جميع الأعمال فقد ترتب على ذلك إلغاء نظام الزواج والأسرة
...! (17)

فإذا كانت المسألة هي: كيف نؤهل المرأة للحكم؟ فلا نجعل تهذيبها خلاف تهذيب الرجل، بل يكون تهذيب الفريقين واحدا. (18)

فعلى أي شاكلة سيكون التهذيب؟

يجيب سقراط: يجب أن تتعرى فاضلات النساء في تمرينات الجمناز؛ لأنهن يستترن
ببرد الفضيلة بدلا من الثياب. أما هزء الرجال بهن بسبب تعريهن من الثياب –
في أثناء التمرينات الرياضية اللازمة لإدراكهن التهذيب العالي – فلا يجني
صاحبه إلا ثمرة الحكمة غير الناضج. (19)

ونكون بهذا قد اجتزنا العقبة الأولى في تهذيب النساء. وهل هناك عقبة أكبر من هذه؟

يستطرد سقراط: أن تكون النساء – بلا استثناء – أزواجا مشاعا. فلا يخص
أحدهم نفسه بإحداهن. وكذلك أولادهم يكونون مشاعا، فلا يعرف والد ولده، ولا
ولد والده. (20)

وهنا يتحالف ماركس مع أفلاطون: و"لكنكم، أيها الشيوعيون، تريدون إدخال
إشاعة النساء". كذا تزعق بنا بصوت واحد البرجوازية كلها. فالبرجوازي يرى
في امرأته مجرَّد أداة إنتاج. وهو يسمع أن أدوات الإنتاج يجب أن تشتغل
جماعيا. وطبعا, لا يسعه إلاّ أن يعتقد بأنّ قدَر الاشتراكية سيصيب النساء
أيضا. و لا يدور في خلده أنّ الأمر يتعلق، ضبطا، بإلغاء وضع النساء كمجرّد
أدوات إنتاج. و للمناسبة، لا شيء أكثر إثارة للسخرية من ذعر برجوازيتنا
الأخلاقي المسرف في أخلاقيته، من إشاعة النساء الرسمية، المدَّعَى بها على
الشيوعيين. فالشيوعيون ليسوا بحاجة إلى إدخال إشاعة النساء، فقد وُجدت على
الدوام تقريبا. و قصارى ما يمكن أن يُلام عليه الشيوعيون، هو أنهم يريدون
إحلال إشاعة رسمية و صريحة للنساء محل إشاعة مستترة نفاقا. (21)

فلا يمكن "إلغاء" العائلة بما هي خلية اقتصادية بواسطة مرسوم؛ لكن يمكن
استبدالها في النهاية. وهدف الثورة الاشتراكية هو خلق بدائل اقتصادية و
اجتماعية أرقى من المؤسسة العائلية الحالية وأكبر قدرة على الاستجابة
للحاجات التي تلبيها العائلة حاليا بشكل رديء، و ذلك كي تنبع العلاقات
الشخصية من اختيار حر. (22)

نظاما حداثيا كهذا قد يكون أجمل النظم، لأنه مزخرف بكل أنواع السجايا،
فيلوح جميلا كالثوب المزركش بكل أنواع النقوش. وقد يعجب الكثيرون بهذه
الحداثة كأجمل الأشياء، إعجاب النساء والأولاد بالثياب الزاهية الألوان.
(23)

في الماضي، كانت المهمة تنحصر في إخفاء الفضيحة؛ أما اليوم، فتتمثل المهمة الحداثية في إخفاء حقيقة أنه ليست هناك فضيحة. (24)

اللهم إني صائم
==============


1- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 15
2- بيتر بروكر، الحداثة وما بعد الحداثة، ص 202
3- حنا خباز، جمهورية أفلاطون، ص 147
4- السيف، مصدر سابق، ص 57
5- المصدر السابق، ص 60
6- قاسم أمين، تحرير المرأة، الأعمال الكاملة، ص 276
7- السيف، مصدر سابق، ص 49
8- المصدر السابق، ص 46
9- المصدر السابق، ص 59
10- فريد إبراهيم، الجنس الآمن..كلام فارغ..وحرام ، جريدة الجمهورية 7-4-2005
11- لبيبة فارس، المرأة من سيدة إلى جاريةٍ في القصور - التجميل المعجزة يحفِّز على العري، جريدة آرام، 7 سبتمبر، 2007
12- بروكر،مصدر سابق، ص 170
13- أميرة حلمي مطر،جمهورية أفلاطون، ص 30
14- خباز، مصدر سابق، ص 147
15- المصدر السابق، ص 163
16- المصدر السابق، ص 250
17- مطر،مصدر سابق، ص 30
18- خباز، مصدر سابق، ص 153
19- المصدر السابق، ص 154
20- المصدر السابق، ص 155
21- كارل ماركس وفريدريك إنجلز، بيان الحزب الشيوعي عام 1848
22- الثورة الاشتراكية ونضال تحرر النساء، نص برنامجي صادق عليه المؤتمر العالمي الحادي عشر للأممية الرابعة – 1979
23- خباز، مصدر سابق، ص 243
24- بروكر،مصدر سابق، ص 245
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:16 pm

أيديولوجية الدعوة للحداثة – 6

الحداثة ... الفكرة ... بل منظومة الأفكار ... التي تؤدي إلى نمط معين من
الحياة ... الأيديولوجيا – بوصفها "علم الأفكار" – ... الآلية الأساسية
للحداثة في تقويض المجتمع التقليدي والسلطة والأسطورة ... والدين ... تغسل
دماغ الفرد ... والمجتمع ... توهمه بالقالب الذي يمكنه فيه العيش بسعادة!

أحاول أن أتجاوز الحداثة – إلى ما بعدها – لو لا اصطدامي المتكرر بـ
"ثقافة الخواء الروحي الحداثية" (1) وهدامي الدين "الثلاثة الكبار" (2) :
ماركس، فرويد، ونيتشه! فأحاول أن أتجنب مادية وعبثية الوعي عند ماركس،
وجنسية فرويد، وعدمية نيتشه، فلا استطيع؛ لأن "ما ينبغي مواجهته إنما هو
خديعة – وليس شبهة فقط – ثلاثية ... فإنسان الشبهة يعمل باتجاه معاكس لعمل
التزييف الذي يقوم به إنسان الخديعة" (3) وحسب المنظور الماركسي، فإنه إما
أن يكون هناك منطق في التاريخ، وتكون الواقعية ماركسية، والعنف صوابا – أو
أن تكون هناك قيم أخلاقية مستقلة عن التاريخ، وبذا تكون الماركسية: زيف.
(4)

ولأن الجماهير لا تفقه شيئا في شيء، إن أمكن استخدام هذا التعبير، وهي لا
تتغنى إلا بما يأمرها هؤلاء(5) الحداثيون؛ رأيت أن أعود مرة أخرى للـ
"نسخة الجديدة من الدين"؛ (6) لأن ما بلورته إيديولوجيا الحداثة تحت شكل
ما يمكن تسميته بأديان وضعية دنيوية جديدة ... هو، بتعبير جان ماري
دويناك، ديناميكية البحث عن إنجيل قابل لأن يحل محل الإنجيل الذي حطمته.
(7)

وابحث عن عامل آخر مشترك – غير الرفض الصريح للدين – بين الثلاثة (ماركس،
وفرويد، ونيتشه) يبعدني – ولو مؤقتا – عن بهدلة السياسة التي أجلتُها
للحلقة التاسعة؛ لأني، وبعد استماعي لمحاضرة بعنوان: الجنون – آلية النفي،
رأيت أني أحتاج لفسحة من الوقت لأضع جنوني موضع التنفيذ، نفيا لما قد
تسوّل به نفسي عندئذ.

ولأن الشيء بالشيء يذكر .. تذكرت جنون نيتشه ... وكل ما قاله عن المرأة.
فقلت لنفسي: جرب ذلك في البيت، أولاً، فقد يصيبك منها (العجوز)، ومنه
(الجنون)، ما أصاب نيتشه من حب الحداثويات لجنونه.

فالفعل المفعول بطريقة مجنونة مفعول على نحو مضاد لما هو مفعول بتعقل. وما
فُعِل على نحو متعقل فقد فُعِل بتعقل، وما فُعِل على نحو مجنون، فقد فُعِل
بجنون .. إذن، فإذا كانت هناك أفعالا متضادة، فإنها ستكون قائمة على مبادئ
متضادة. (Cool ولعلي أتذكر – بعد هذا الجنون – في نهاية هذه الحلقة ما
أصابني، إن منَّ اللهُ عليّ ببرهة من العقل.

وقد تحدثنا عن كثير من الأشياء ... لكن ماذا عن المرأة؟ ... فهل كل شيء في المرأة لغز؟ (9)

إن النظرة إلى المرأة لدى الجاهليتين الأولى والحديثة، إنما هي نظرة
واحدة، وهي التشاؤم والاستصغار، ولكنّهما تختلفان في طريقة التعامل معها؛
ففي العصر الجاهلي الذي سبق ظهور الإسلام كانوا يرتكبون الجرائم ليتخلّصوا
-حسب زعمهم- من شرّ المرأة.

أما (الحداثة) فقد أضحت المرأة، فيها، ألعوبة ووسيلة لهو وترفيه
وتمتّع؛ وكأنها ليست تلك الإنسانة المكرّمة المحترمة التي أطرها الله
سبحانه وتعالى بالعفاف والحرمة، ورسم لها طريق الرقي والكمال، كما هو
الحال بالنسبة إلى الرجال. فهي اليوم لا شغل لها إلا الاهتمام بمنظرها
وزينتها، لكي تكون جاهزة لأن يقضي الرجل منها وطره، ويشبع نزوته، كما
وأضحت سلعة عامة تجذب الرجال إليها بعرض مفاتنها في الشوارع. (10)

فهب أن الحقيقة امرأة: ألا يدفع ذلك إلى الظن بأن الفلاسفة جميعا، قد
أساؤوا فهم النساء، وبأن ما بدا عليهم من عبوس رهيب وإلحاح غشيم في سعيهم
إلى الحقيقة كان وسائل غير لائقة وغير لبقة، وبخاصة من أجل استمالة امرأة؟
(11)

فالمرأة يراد لها أن تستقل، وفي سبيل هذا يراد لها أن تشرع في تنوير
الرجال حول "المرأة في ذاتها". إن ذلك شكل من أردأ أشكال "التقدم".

هذه المحاولات الخرقاء، هذا التعري، كم يضيء!

دواعي الحياء كثيرة لدى المرأة. ففيها يكمن كثير من سمات المتحذلق،
والمدرس، والسطحي؛ كثير من تافه الادّعاء والاستهتار والتعجرف. (12)

لكنّ انحطاط المرأة هو نتيجة لانحطاط الرجل!

فلم يعامل الرجال المرأة، في أي عصر سابق، بالاحترام الذي يكنونه له في
عصرنا. ولم العجب، إذا ما سارعت المرأة إلى إساءة استعمال هذا الاحترام؟
إنها تريد أكثر بعد، وتتعلم أن تكون متطلبة، وتكاد أخيرا، تُعِد هذا
الاحترام بمثابة إهانة، إذ باتت تُفضِّل التسابق، بل المبارزة من أجل
الحقوق.

وبكلمة: إن المرأة تفقد الحياء. ولنسارع إلى الإضافة: إنها تفقد الذوق أيضا. (13) لماذا؟

لأن الرجل يفقد الرجولة ... والذوق معا ... فهناك، بالطبع، في صفوف البغال
المتعلمة من الجنس الذكري، عدد كاف من أصدقاء، ومفسدي النساء الحمق الذين
ينصحون المرأة بأن تتحرر من أنوثتها. (14)

ولأننا، كما يقول فرويد، نعرف أن الحياة صعبة، فيها الكثير جدا من الآلام،
والكثير جدا من الفشل، ومن الشقاء، ولا يمكن أن نستمر في الحياة دون
مسكنات، وليس أمامنا إلا أن نلجأ إلى ما يساعدنا عليها كما يقول ثيودور
فونتين، وربما لم يكن هناك إلا ثلاثة أبواب يمكن أن نطرقها:

• أن نتلهى باهتمامات تشدنا إليها بقوة، وتصرفنا عن أحزاننا وشقائنا، أو
• أن نسعى خلف اللذات نتوسل بها للتخفيف من الآلام، أو
• أن نلجأ إلى المخدرات لعلها تميت الإحساس فينا فلا نشعر بما في الحياة من أرزاء.

ولا غنى لنا إطلاقا عن الاستعانة بواحد من هذه الحلول. (15) فالصمام – أحد
الأبواب الثلاثة – يجب أن يظل مفتوحا كي لا ينفجر الأنبوب! (16)

ولكي يتأكد "الفرويديون" من أن الأبواب تبقى مشرعة، لا بد من أن يُطرق باب آخر: التربية ...

يجب ألا يكون هناك أي حرمان، أي قمع، أي منع ...

كل شيء يجب أن يكون مباحا مع الأطفال ...

الجيل الناشئ بأكمله يجدب أن يكون ... بلا عقد!

وفي كلمات تذكرنا بكلمات "ستالين" عندما قال إن مادية ماركس الفلسفية ترى
أنه يمكننا معرفة كل شيء تماما عن هذا العالم، كتب "برتراند راسل" عن
التربية الجنسية: إن الشيء الهام هو أن تخلق بأسرع ما يمكن الشعور بأن
الغموض الذي يكتنف الجنس لا يرجع سوى إلى الجهل به، وهو جهل يمكن تبديده
عن طريق الصبر والجهد العقلي.

وكتب، أيضا: ينبغي علينا أن نتناول الجنس بنفس الأسلوب الذي نعالج به
حقائق الحياة العادية المألوفة تماما كما لو كنا نشرح مثلا كيف يمكن لمياه
الصودا أن تدخل سيفون الزجاجة الخاصة بها. إن الأسلوب الذي يمكن به علاج
صبي من اهتماماته المخلة بالآداب هو أن نغرقه بسيل من المعلومات حتى يشعر
بأنه لم يعد هناك ما يجب معرفته، وأن ليس فيما عرفه بالفعل ما يثير. (17)

لقد بلغت رغبة "راسل" في تقويض صرح الأخلاق التقليدية حدا جعله يريد إنكار
ما قامت عليه من أساس. ولأن الغموض، في نظره، قد أدى إلى الخرافات، فإنه
أراد أن يلغي وجود الغموض. ولأنه يمكن للأخلاق التقليدية، في نظره ايضا،
أن تخلق البؤس، فقد أراد أن يلغي وجودها. وتساءل قائلا: إنه إذا كان من
الممكن استجلاء الغموض عن شيء رائع مثل الرياضيات، فلماذا لا يمكن
استجلاؤه فيما يتصل بالجنس أيضا. (18)

ولاحظ "راسل" أن الخيانة الزوجية تنتشر بصورة تقليدية بين الأزواج أكثر
منها بين الزوجات، ورأى أنه ليست هناك أسباب صحيحة – سواء كانت فسيولوجية
أو سيكولوجية – وراء هذا الاختلاف. وبدا له أنه حتى يصبح الطرفان
متكافئين، فإنه ينبغي على الزوجات أن يخنّ أزواجهن مثلما يخون الأزواج
زوجاتهم.
واقترح أنه يجب عدم اعتبار الزواج أمر يحتم استبعاد العلاقات الجنسية
الخارجة عن نطاقه وأنه ينبغي على الأزواج بدلا من كبح جماح رغباتهم في
خيانة زوجاتهم، أن يكتفوا بالحد من مشاعر الغيرة تجاه أية خيانات مماثلة
ترتكبها هذه الزوجات. (19)

وقد تخلى عن تقاليد الزواج بواحدة، لأنه لما كان قد قرر بالجدل العقلي أنه
يحبذ الحرية في الحب، فقد شعر لزاما عليه أن يضع ما يحبذه موضع التنفيذ.
وفي فترة من فترات حياته الزوجية، ضرب "راسل" مثلا حيا على وضع نظرياته
موضع التنفيذ، إلى حد أنه سمح لواحد من عشاق زوجته "دورا" أن يعيش معهما
تحت سقف واحد. (20)

وفي دعوى ضد "راسل" في محكمة نيويورك العليا، كتب المحامي "جوزيف
جولدشتين" عن مؤلفاته (راسل) يقول أنها تتسم بالفسق والشبق والشهوانية؛
وتمتلئ بالحديث عن الجماع وحب الجنس إلى حد الخبل، وبالمهيجات الجنسية؛
وتنم عن الإلحاد والتبجح وضيق الأفق وانعدام الصدق وانتفاء أي نسيج أخلاقي.

وفيما يتعلق بفلسفة "راسل"، يواصل "جولدشتين" قوله: إن "راسل" مغالط
سفسطائي. وهو يقدم محاجات زائفة تستند إلى الخداع والأساليب الماكرة
الملتوية والمغالطات؛ وإن كل مبادئه المزعومة التي يسميها فلسفة، ليست سوى
أساليب رخيصة مبتذلة مبهرجة بالية تتسم بالسحر والشعوذة، وأحاييل تهدف إلى
خداع الناس وتضليلهم. (21)

ماذا بعد كل هذا الجنون؟

في "النسخة الجديدة من الدين": يجب تخليص الناس من آرائهم الدينية المسبقة
، بتهدئتهم تارةً، وإغاظتهم طورا، ومرة بإظهار طريق مصالحهم وكشف أعدائهم،
وأخرى بتضليلهم ... (22)

والدكتور السيف "يعرف أننا متخلفون، وأن ثقافتنا متوقفة عند عصور الماضين.
والحق أن هذا ليس اكتشاف اليوم، بل هو عرض اكتشفه المسلمون منذ أواخر
القرن التاسع عشر." ويدعونا الدكتور السيف للنظر "إلى كتابات ورسائل
المرحوم جمال الدين الأفغاني (لنعرف) صدق هذه المقالة، وإلى كتابات
تلاميذه، كالمرحوم محمد عبده .... لنعرف أن ما نقوله اليوم قد قيل على
ألسنتهم قبلنا بمائة عام، أو تزيد." (23) وقبلت الدعوة، باحثا عما قاله
أحدهما، أو كلاهما.

لقد اعتبر الشيخ محمد عبده البروتستانتية – وهي النسخة الجديدة من الدين
المسيحي – التي أفضت إلى المدنية الحديثة، على حد الفهم (الحداثي) لها،
بأنها ليست إلا نتاج التأثر الأوروبي بالإسلام. بل ذهب إلى أبعد من ذلك،
حين اعتبر أن البروتستانتية ليست إلا "اسما" آخر للإسلام تختلف عنه ليس في
العقيدة أو أصول الدين، بل في "صورة العبادة" ... فـ"جاءت في إصلاحها بما
لا يبعد عن الإسلام إلا قليلا؛ بل ذهب بعض طوائف الإصلاح في العقائد إلى
ما يتفق مع عقيدة الإسلام، إلا في التصديق برسالة محمد صلى الله عليه
وسلم، وإن ما هم عليه إنما هو دينه، يختلف عنه اسما ولا يختلف معنى." (24)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:17 pm

وأجدّ في البحث – تاركا البروتستانتية ومطابقتها للإسلام كنسخة جديدة من
الدين – لعلي أهتدي لـ "الأجزاء الرئيسية" الأخرى التي يتكوّن منها مشروع
الحداثة. فالمادية الفكرية بوسعها إعداد شتى النظريات حول ولادة ونمو
النسخ الجديدة من الأديان:

• النظرية الموسوعية: يقول فولتير أن الدين ليس سوى تضليل اختلقه نفر صغير
من الأفراد من اجل تنصيب أنفسهم في طبقة مهيمنة – كهنوتية – وإقامة، على
مجمل الجماعة، سلطة يستمدون منها مكاسب روحية واجتماعية ومادية.

• النظرية النفعية: تطرح هذه النظرية التي وسعها ريناخ Reinach تصوراً بان
الدين ينشأ مباشرة – تقريبا – من المحرمات؛ وأنه (الدين)، بمعنى ما، عقلنة
لتلك المحرمات.

• النظرية الماركسية: كتب لينين يقول: "أن نظرية الفيلسوف القديم هيرقليطس
المادية ـ الذي كان يرى أن العالم واحد لم يخلقه آله أو إنسان، كان وسوف
يظل شعلة خالدة حية تتوهج وتنطفئ حسب قوانين معينة ـ أنما هي عرض رائع
لمبادئ النزعة المادية الجدلية." ولقد أثارت النزعة المادية الجدلية هذه
الصعوبات، وفقدت فكرة "الله" كل محتواها. ولم يعد النقاش حول وجود الله أو
عدم وجوده – ذلك النقاش الذي أثارته النزعة الإلحادية الساذجة غير
الماركسية – يثار كما كان سابقاً. لقد أصبح الله، كما قال لابلاس، فرضية
لا نفع فيها. وحل محل مشكلة وجود الله مشكلة وجود فكرة الله في رؤوس
الناس. هاتان مشكلتان لا تميز النزعة المثالية الموضوعية بينهما. (25)

• النظرية الفرودية: يدعي فرويد أن الدين، ومعتقداته، ومحرماته، ورمزيته،
لا يفعل سوى التعبير – على المستوى النفسي – عن الجزع والقلق الذين
تولدهما عُقد كل فرد(26)؛ فيكون الدين، بذلك، عصابا وسواسيا عاما للبشرية
يمكن توقع حصول التخلي عنه (27) عبر التحليل النفسي.

• النظرية النيتشوية: الدين – بالنسبة لنيتشه – هو الرجس الأكبر الذي تحمل
البشرية وزر خطيئته. إنه مغالطة الذات وقد تحولت غريزة؛ وإرادة تعامٍ
مبدئية عن كل ما يحدث، عن كل سببية وكل واقع. إنه التزوير الذي يطال النفس
البشرية حد الإجرام ... لأنه (الدين) يعلّم الإنسان احتقار أولى غرائز
الحياة، وأن يبتدع أكذوبة "الروح" و "العقل" من أجل سحق الجسد، أو النظر
إلى الجنس على انه دنس. (28) ولمعالجة هذه المشكلة – الخطيئة، يقترح نيتشه
أنه – مع الإنجيل الجديد، إنجيله الخامس – قد أصبحت هناك سياسة عظيمة على
وجه الأرض: كل من يريد أن يكون مبدعا في الخير وفي الشر، عليه أن يكون
أولا مدمّرا ... وأن يحطم كل القيم! (29)

فمع إنجيل جديد، هناك، إذن، دين جديد! أو "نسخة جديدة من دين قديم"!

أفلا يمثل نيتشه لهذا الغرض بالتحديد نموذج الفكر الحداثي، إذا ما اعتبرنا
أن هذا الأخير يفصح عن نفسه عبر الإقرار باستحالة ملاحقة الواقع بوسيلة
التعديلات اللاواقعية؟ ألا تتحدد الحداثة بذلك الوعي المسبق بجسامة
الوقائع التي لا يمثل خطاب الفنون وحقوق الإنسان تجاهها سوى نوع من
التعويض وعمل (الإسعافات) الأولية؟ (30)

هكذا، إذن، تبدو الحداثة – بصفتها تعديلات لا واقعية – ... تهاجم الدين
السائد بشراسة وضراوة يستغربهما من لا يعي طبيعتها العقائدية الانقلابية.

لقد ألّهت الأيديولوجيات الحديثة عنصرا إنسانيا كالعقل، أو الأمة، أو
الجنس، أو الفرد، أو البروليتاريا، أو التاريخ، فآمن الحداثيون أن
الانتصار على النظام الاجتماعي أو الوجود التقليدي لا يتم، بدون هدم
الدين، بدون تحرير الفكر من قبضة الدين، وإنشاء فلسفة جديدة، أو بالأحرى
دين جديد يتوجه للناس جميعا، لأن فيه يجد هذا الوجود الأسس التي يعود
إليها ويبرر ذاته فيها. (31)

مع كل هذا، كيف يمكن أن تعاقب ادعاء الفضيلة؟

في هذه الحالة، إنها لا تقل خطورة عن ادعاء الجريمة. (32)
==================


المصادر
1- بيتر سلوتر دايك، ألإنجيل الخامس لنيتشه، ص 56
2- بول ريكور، في التفسير – محاولة في فرويد، ص 38
3- المصدر السابق، ص 38 – 39
4- رونالد أرونسون، كامي وسارتر، ص 124
5- أفلاطون، في السفسطائيين والتربية – محاورة بروتاجوراس، ت: عزت قرني، ص 79
6- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 57
7- محمد جمال باروت، الدولة والنهضة والحداثة، ص 77
8- أفلاطون، مصدر سابق، ص 114
9- فريدريش نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، ص 131
10- محمد تقي المدرسي، المرأة، ص 8
11- فريدريش نيتشه، ما وراء الخير والشر: تباشير فلسفة جديدة، ص 17
12- المصدر السابق، ص 201
13- المصدر السابق، ص 207
14- المصدر السابق، ص 208
15- سيغموند فرويد، الحب والحرب والحضارة والموت، ص 43
16- أحمد خيري العمري، الفردوس المستعار والفردوس المستعاد، ص 466
17- آلان وود، برتراند راسل – سيرة حياته، ص 215
18- المصدر السابق، ص 217
19- المصدر السابق ، ص 219
20- المصدر السابق ، ص 222
21- المصدر السابق ، ص 250
22- جورج لابيكا، "روبسبيير": سياسة للفلسفة، ص 42
23- السيف، مصدر سابق، ص 45
24- باروت، مصدر سابق، ص 237
25- جورج بوليتزر، أصول الفلسفة الماركسية، ص 164
26- إدغار بيش، فكر فرويد، ص 112
27- المصدر السابق، ص 124
28- فريدريش نيتشه، هذا هو الإنسان، ص 160
29- المصدر السابق، ص 155
30- سلوتردايك،مصدر سابق، ص 62
31- نديم البيطار، الأيديولوجية الانقلابية، 470
32- بيتر بروكر، الحداثة وما بعد الحداثة، ص 248
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:18 pm

هذه الحلقة تناقش مزاعم الدكتور توفيق السيف "بأن فكرة الفردانية، أي
تمجيد الفرد واعتباره مستقلا مكتفيا راشدا، التي سادت في الغرب منذ بدايات
عهد النهضة الأوروبية، ولا سيما منذ انتشار نظرية "توماس هوبس" في العقد
الاجتماعي؛ هذه الفكرة ذات أصل مكين في الثقافة الإسلامية."(1)

ويواصل الدكتور السيف زعمه بأننا "لو نظرنا إلى آيات القرآن التي ذكر فيها
"الإنسان" لوجدنا فيها جميع السمات التي عرضها "هوبس" ومن سار على نهجه من
الفلاسفة الليبراليين اللاحقين. إنسان القرآن الكريم كائن مستقل بنفسه،
مكتف بعقله، مسئول عن فعله، مكرّم من قبل الله بسجود الملائكة له وتسخير
ما أودعه الله في الكون من أجل رفعته، وهو في نهاية المطاف خليفة الله في
أرضه." (2)

وأعترف باني ترددت كثيرا، وخفت كثيرا، وتأخرت في كتابتها (هذه الحلقة)
كثيرا، لأن موضوعها حقل من الألغام، الداخل إليه مفقود، والخارج منه
مولود.

فأطروحات الدكتور السيف تناقض بعضها البعض في عدة مواقع في كتابه "الحداثة
كحاجة دينية"، فيصعب – مع هذا التناقض – الاستشهاد بما يقوله على ما
يعنيه. فلا بد لنا عند التمحيص في "الفكرة" التي يزعم الدكتور السيف بأنها
"ذات أصل مكين في الثقافة الإسلامية" من الرجوع إلى آثار تلك الثقافة، و
"الحصول على أجوبة صحيحة لأسئلة اليوم في كتب الأموات، وسيرهم" (3)

ففي حين يعتقد الدكتور السيف بأن "الثقافة السائدة في العالم الإسلامي هي
التي تعيق النهضة"، (ص 14) وان "العودة إلى ... الأصول الصافية لا يصح على
إطلاقه"، (ص 22) وأن "الثقافة ليست ما يقرأه الناس في الكتب. فالثقافة في
معناها العميق هي ما يملأ داخل النفس من تصورات حول الذات والغير من البشر
والأشياء"، (ص 23) وهي التي "تشكلت ... كاملة خلال السنين الطويلة التي
تفصلنا عن عهد الإسلام الأول ... هذه الثقافة هي التي توجه سلوكنا، وهي
التي تحدد طريقة ونطاق تفكيرنا، وهي التي تتحكم في صياغة مواقفنا وآرائنا
.."، (ص 23) وأن "الكثير منها مجرد توهمات ..."؛ (ص 34) يقول لصاحبه بأننا
– مع تلك الثقافة التي يصف – "مثل غني جاهل، يملك (من الثقافة) كنوز
قارون، لكنه عاجز عن الاستمتاع بما يملك ..."، (ص 46) وكل ما نحتاجه – لكي
لا نعيق النهضة – هو "أنسنة ثقافة المسلمين، بمعنى إعادة الاعتبار إلى
الإنسان كوعاء للقيمة العليا في هذا الكون." (ص 64)

لقد كان أهم أهداف نظم الأسرار المصرية قديما هو تأليه الإنسان، أي التشبه
بالآلهة، كما أنها علّمت الناس أن نفس الإنسان إذا ما تحررت من قيود البدن
يمكن للمرء أن يصبح شبيها بالله، ويرى الأرباب في هذه الحياة ويبلغ مرتبة
الكشف الصوفي، ويتصل بالأرواح الخالدة. ويعرّف أفلوطين هذه التجربة بأنها
تحرر العقل من وعيه المتناهي عندما يغدو واحدا ومتوحدا مع اللا متناهي. (4)

وكان الحسين بن منصور الحلاج أول من تنبه إلى المغزى الفلسفي الذي تضمنه
الأثر ... المشهور القائل بأن الله تعالى خلق آدم على صورته، أي على
الصورة الإلهية، وبنى على هذا الأثر نظريته في الحلول مفرّقا بين ناحيتين
مختلفتين في الطبيعة الإنسانية. وهكذا اعترف الحلاج لأول مرة في تاريخ
الإسلام بتلك الفكرة التي أحدثت فيما بعد انقلابا بعيد المدى في الفلسفة
الصوفية: أعني فكرة تأليه الإنسان واعتباره نوعا خاصا من الخلق لا يدانيه
في لاهوتيته نوع آخر. (5)

وقد تأثر محي الدين بن عربي بالأفلاطونية المحدثة، عندما ذكر في "باب
الكمال الإنساني": إن الله تعالى عَلِمَ نفسَه فعَلم العالَم. فلذلك خرج
على الصورة. وخلق الله الإنسان مختصرا شريفا جمع فيه معاني العالم الكبير
وجعله نسخة لما في العالم الكبير، ولما في الحضرة الإلهية من الأسماء. (6)

وقال في هذا الشأن شعره (الذي ينسبه البرمجيون، سهوا أو عمدا، إلى الإمام علي عليه السلام):
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
فلا حاجة لك من خارج وقصدك فيك وما تفكر (7)

فبينما كان القدماء يدركون العالم أو الكائن بوصفه مخلوقا لله، شهدت
العصور الحديثة تغيرا في الرؤية والمنظور بحيث غدا الإنسان هو المتكلم
الحاضر الذي ينظر إلى الكائنات الأخرى ويتمثلها، فيستمد يقيناته من ذاته،
وليس، كما كان الشأن عليه في العصور الوسطى، من تعاليم عقيدة أو سلطة أخرى
غير سلطة ذاته. وقد شارك في رسم هذه الصورة كل من الفلسفة الديكارتية،
وعقلانية لايبنتز، وشكيّة هيوم، والثورة العلمية التي أفرزتها أعمال
غالييليو ونيوتن والتي وجدت تعبيرها الأسمى في الفلسفة الكانطية. (Cool

ومع ظهور فلسفة الحياة لدى نيتشه والفلسفة البرجماتية لدى وليم جيمس
والفلسفة الوجودية، يبدأ الاتجاه نحو الإنسان، ومع كير كجارد ونيتشه تبدأ
الفلسفة الذاتية الشريدة رافضة للمطلق والكلي مؤكدة للفردانية والتعدد.
ومنذ ظهور الفردانية والذاتية في الفلسفة الوجودية وفلسفة الحياة والفلسفة
البرجماتية يبدأ عهد جديد، وثورة جديدة من التفكير، وبدأ الاتجاه نحو
الذات بعد أن استغرقتا الموضوع والموضوعية بكل تياراتها. (9)

وتعد الفردانية الأساس الجوهري لليبرالية الحديثة، إذ أكدت الليبرالية على
الحرية الشخصية وعلى احترام خصوصيات الفرد وحقوقه. ثم إن كل ما يدافع عن
الحرية فإنما ينبثق من المذهب الفردي الذي يدافع عن كرامة الإنسان من أي
قهر سياسي أو اجتماعي تحت أي مبرر. فلقد حذر معظم الفلاسفة من خطر المجتمع
على حرية الأفراد، مثل جون ستيوارت ميل. (10) وهي مبدأ من مبادئ
الأيديولوجية السياسية الاجتماعية، يقوم على الاعتراف بالحقوق المطلقة
للفرد، وحرية الفرد واستقلاله عن المجتمع والدولة، وتضع النزعة الفردانية
الفرد في مقابل الجماعة. (11)

لكن ثمة مفهوما آخر لهذه الكلمة: النزعة الإنسانية، وهي تعني في أساسها أن
الإنسان خارج نفسه دائما، وهو بامتداده خارج ذاته، وإضاعة نفسه خارج ذاته،
يوجد. يستطيع أن يوجد بأن يسعى وراء أهداف متعالية، فالإنسان كائن متعال
بطبعه، يتجاوز ذاته، ويعامل الأشياء معاملة مرجعها هذا التجاوز. إنه إذن
في صميم التجاوز، وليس هناك من عالم آخر إلا عالم الإنسان، عالم الذاتية
الإنسانية. وهذا هو ما نسميه بالهيومانية (أو المذهب الإنساني). ونحن
نسميها بالإنسانية لأننا نذكر بها الإنسان بأنه لا مشرع لنفسه إلا نفسه،
وأنه في سقوطه عليه أن يقرر لنفسه بنفسه. (12)

وقد جاء في بيان الهيومانية الثالث Humanist Manifesto III: الهيومانية هي
فلسفة تقدمية للحياة، من غير وجود للكائن الأعلى .... تعتبر الإنسان كجزء
أساسي من الطبيعة، وناتجا عن نظرية الانتخاب الطبيعي للغرائز. (انظر كتاب:
أصل الأنواع – نظرية النشوء والارتقاء، تشارلز داروين، الفصل الثامن، ص
303) وأن الإنسان (بخلاف نظرية هوبس) هو اجتماعي بالفطرة، ويجد معنى في
العلاقات البينية. (13)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:20 pm

وبالعودة إلى "توماس هوبس" الذي يزعم الدكتور السيف أنه – هوبس،
والليبراليين اللاحقين الذين ساروا على نهجه – قد أوردوا نفس سمات "إنسان
القرآن الكريم" في نظرية العقد الاجتماعي، والذي يصفه الدكتور السيف بأنه:
"كائن مستقل بنفسه، مكتف بعقله، مسئول عن فعله، مكرّم من قبل الله بسجود
الملائكة له وتسخير ما أودعه الله في الكون من أجل رفعته، وهو في نهاية
المطاف خليفة الله في أرضه"، (14) نرى في الواقع أن "هوبس" يصف حالة
(حياة) الإنسان بأنها: متوحدة، مسكينة، قذرة، حيوانية، وقصيرة! (15) وفقط،
عندما يخضع ذلك الإنسان إلى كونه "فيضيا" (خاضعا للمجتمع)، فإنه، آنئذٍ،
يصبح قادرا على بلوغ الأمن، والراحة، وتطوير إمكاناته. لكن لقاء ثمن ذلك
الخضوع، لم يعد فردا مكتفيا بذاته. وعلى هذا النحو، وضعت النزعة الفردانية
بطريقة تبدو "فردانية" إلى أقصى مدى، موضع الفشل. (16)

إن الإنسان، عند "هوبس"، يتصف بالكثافة المظلمة للشهوانية المسيحية
يطعّمها شعاع من عظمة العصور القديمة. فهو بارتكابه المستمر للخطيئة
بشجاعة – لأنه لا يستطيع تجنب ارتكابها – يكون على الدوام أسمى من ظروفه.
فلا هو بالمسيحي، ولا بالإغريقي؛ إنه هذا الرجل الثالث الممتلئ قوة والذي
يئس من الخير، ولكنه لم ييأس من نفسه: خادم الملك أو جمهوري سيبني الدولة
الحديثة، التي مثله تخلت عن البحث عن الخير. (17)

فالأهواء – حسب "هوبس" التي، أكثر من أي شيء آخر، تسبب اختلافات الذهن، هي
بشكل أساسي الرغبة القوية بدرجة ما بالسلطة، والثروة، بالمعرفة وبالتكريم.
ولكن كل تلك الرغبات يمكن إرجاعها إلى الرغبة الأولى، أي إلى الرغبة
بالسلطة. ذلك أن الثروة، والمعرفة والتكريم ليست سوى أنواع منوعة من
السلطة. (18)

في المحصلة، نظرية "هوبس"، كانت تنطوي على توتر داخلي، وعدم توازن ضمني.
فلئن كانت إنسانية الإنسان الفعالة والمثيرة للاهتمام متضمنة في الرغبة
بالسلطة، وحيث تتكثف طبيعته، يمكن القول عندئذ بالتأكيد عن أفكاره أنها
مصطنعة أو اتفاقية ولا تملك إلا القيمة التي يمنحها إياها المشرّع، إنها
بلا وزن حقيقي. (19)

وما دمنا نتحدث عن العقد الاجتماعي، والنزعة الفردانية، فإن الثورة
الفرنسية تشكل مفصلا بين مرحلتين للفكر السياسي يبدو أنهما تسيران في
اتجاهين متعاكسين بشكل صارم، كما هو التناقض بين فكرة العقد الاجتماعي
الحر وفكرة الحتمية الاجتماعية. يجد هذا التباين أصله جزئيا، بلا مراء في
رد الفعل على الثورة الفرنسية والانحلال الاجتماعي الناجم عن النزعة
الفردية التي جاءت بها. (20)

لكن، ما هي هذه الفردانية، أو النزعة الإنسانية التي يتحدث عنها الدكتور السيف؟

كان الإنسان محل اهتمام الشعراء وفلاسفة الطبيعة، وإن لم يكن يحتل مكانة
الصدارة في أبحاثهم، فقد نظروا إلى الإنسان من خلال منظور طبيعي واضح على
اعتبار أنه جزء لا ينفصل عن العالم الطبيعي. وعلى الرغم من هذه النظرة
الضيقة، والمحدود للإنسان، وقضاياه داخل المرحلة الكونية، إلا إنها وضعت
الجذور الأولى للنزعة الإنسانية والتي بدأت تتزايد بشكل مستمر. ولعل هذه
الإرهاصات الأولى للنزعة الإنسانية، باتت تنذر بتغير مجرى الفكر الفلسفي
في بلاد اليونان، ليتجه من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي، أو من
الطبيعة إلى الإنسان. وهذا ما حدث بالفعل منذ بداية النصف الثاني من القرن
الخامس قبل الميلاد. (21)

إن التفسيرات والآراء تكاد تجمع على أن "بروتاجوراس" قد بدأ من مذهب
"هيراقليطس" في التغير المتصل، ولكنه لم يقل بكل هذا المذهب كما هو في كل
جزئياته، بل قال فقط بالفكرة الرئيسية السائدة فيه، وهي أن الوجود دائم
التغير. فقد قال "بروتاجوراس" إن الطبيعة كلها في تغير دائم، وتغير بين
أضداد، والضد الواحد ينتقل إلى الضد الآخر دائما وباستمرار، ولا يمكن أن
يطلق على شيء صفة معينة، بل الصفة المعينة الوحيدة للأشياء هي انتقالها من
الضد إلى الضد. (22)

انطلق بروتاجوراس من فكرة التغير عند هيراقليطس ومن إيمان ديموقريطس بأن
المعرفة الحسية هي المصدر الأساسي للمعرفة وخرج منها إلى القول بأن
الأشياء هي بالنسبة إليّ على ما تبدو لي، وهي بالنسبة إليك على ما تبدو
لك، وأنا إنسان وأنت إنسان؛ إذا فالإنسان مقياس الأشياء جميعا. (23)

وقد ذهب السوفسطائيون المتأخرون إلى أبعد مما ذهب إليه بروتاجوراس، فكانت
مهمتهم هي تطبيق تعاليم بروتاجوراس على مجالي السياسة والأخلاق، فإذا لم
تكن هناك أية حقيقة موضوعية وإذا كان ما يبدو صادقا عند كل فرد هو بالنسبة
له الصدق، فكذلك أيضا لن يكون هناك قانون أخلاقي موضوعي؛ وما يبدو أنه
صواب بالنسبة لكل إنسان هو صواب بالنسبة له. وقد تبيّن، الآن، أن الاتجاه
الكلي لهذه التعاليم السوفسطائية هو اتجاه مدمر ومعاد للجميع. إنه مدمر
للدين والأخلاقيات وأسس الدولة وكل المؤسسات القائمة. (24)

وسيكون خطأ كبير افتراض أن مذاهب السوفسطائيين هي مجرد أفكار عفى عليها
الزمن وأنها ر أفكار ميتة وحفرية لا تهم سوى المؤرخين وليست لها أهمية
بالنسبة لنا.

بالعكس، إن الفكر الشعبي الحديث يموج بأفكار واتجاهات السوفسطائيين وغالبا
ما يقال أن الإنسان يجب أن تكون له قناعات قوية وهناك أناس يشتطون حتى
يقولون أنه لا يهم ما يؤمن به الإنسان، طالما أن ما يؤمن به، يؤمن به بقوة
وبشدة. (25)

فاليوم، قد صار هذا اللفظ – النزعة الإنسانية – من الألفاظ الكثيرة
التداول؛ وفي استعماله يلاحظ له معنيان: أحدهما تاريخي، والآخر مذهبي. فهو
عند "ييجر" وأتباع مدرسته الذين يكونون النزعة الإنسانية الجديدة يرمي من
ورائه إلى إيجاد نزعة إنسانية جديدة تضارع النزعة الإنسانية التي ظهرت في
أوروبا في القرون من الرابع عشر إلى السادس عشر، وذلك بإحياء التراث
اليوناني من جديد ومعاناة تجربة حية عن طريقه وهو ما يتم بتمثله ونقله من
الماضي إلى التطبيق على الحاضر؛ وهو كذلك أيضا عند "سيتا"، إلا أنه يميل
خصوصا إلى استلهام النزعة الإنسانية الحديثة في إيطاليا.

أما المعنى المذهبي فيتردد كثيرا على ألسنة وأقلام المذهب الوجودي، وهو
عندهم يختلف اختلافا ظاهرا عنه عند أصحاب المعنى التاريخي، لأنه لا يعتمد
على تجربة روحية تاريخية، بل على مذهب قائم بذاته في فهم الوجود على أساس
أن مركز المنظور فيه هو الإنسان، وأن الوجود الحق أو الوحيد هو الوجود
الإنساني، حتى صارت شارته هي: من الإنسان وإلى الإنسان بالإنسان – إن جاز
لنا أن نستخدم هنا هذا التعبير المنقول عن لغة السياسة. (26)

إن الإنسانية – كما أعلنها سارتر – بتناقضاتها وتوافقاتها تصب حكما في
مصبات النهر المسيحي للفلسفة الأوروبية. فالإنسانية الوجودية هي – عند
سارتر – أخوية جديدة. بل ربما تكون محاولة لإحباط الماركسية الطبقية –
بإعلان الإيمان بها لتجاوزها وليس لتحقيقها – وللنظر في مستقبل أوروبا الـ
ما – بعد مسيحية والـ ما – بعد ماركسية. (27)

فقد كان لينين يؤمن بأن النزعة الإنسانية الحقة لا توجد إلا في المجتمع
الاشتراكي، وأن القمع فعل ضروري في أول مراحل الثورة. ويعود إلى تأكيد أن

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:21 pm

النزعة الإنسانية الحقة لا يمكن أن تنشأ عن الأيديولوجيا البرجوازية. (2ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة 38465

والإنسانية المتجددة، أو المرشحة للتجدد في المشروع السارتري، يريد لها
قطبين جاذبين: قطباً مجتلبا من المسيحية – بدون كنيسة – هو قطب الإخاء
والأخوية؛ وقطباً مجتلبا من الماركسية – المردودة إلى هيغل، أي اليسار
بدون حزب – هو قطب العمق الإنساني للوجود أو الراديكالية. (29) فالإنسان –
عند سارتر – يتحقق إنسانا كيما يكون الله. (30)

فما هي الوجودية؟ أيديولوجيا، تبدو الإجابة في منتهى البساطة، كأن الخطاب
الفلسفي الذي تتضمنه هذه المسألة، يمكن رده أو حصره في خطاب سياسي،
بالتالي يمكن إعلاء الوجودية من شعار فلسفي إلى شعار سياسي بعد ما يكون قد
تزوّد من شحنة "أخلاقية" مميزة، هي الشحنة الإنسانية. (31) ومن الواضح،
على نحو مقلق، أن العالم واقع في خضم حرب إيديولوجية. (32)

فالنزعة الإنسانية الأمريكية، على سبيل المثال، – بفضل ما هو متوافر لها
في إطارها المخصوص – كما هي في واقعها التاريخي، هي الكونية الغالبة التي
تعمّمها الإدارة الرسمية للولايات المتحدة – وخصوصا في تعاملها مع العالم
خارج أمريكا. (33)

الصحافية البريطانية "فرانسيس ستونور صوندرز" تقدم قرائن وفيرة على إنفاق
السي. آي. إي. ما يقارب من المئتي مليون دولار على تمويل عدد لا يحصى من
المؤتمرات والمجلات، وعلى جوائز ومعارض فنية وحفلات موسيقية ومسابقات
موسيقية والعديد من الأكاديميين والكتاب والمثقفين الأفراد، ما أثر أثرا
عميقا على نوع النشاط الثقافي ونوع العمل الجاري باسم الحرية أو العمل
الإنساني. لست أريد أن يساء فهمي (يقول إدوارد سعيد): لم تكن السي. آي.
إي. تدير الحياة الثقافية. ومع ذلك، فيما كانت تغذي المنافسة على المستوى
العالمي بين الحرية والكليانية، وتشارك فيها، فطبيعي أن ثمة سببا وجيها
للافتراض أن الكثير مما كان يجري أو يموّل على الصعيد الإيديولوجي، باسم
الحرية والقيم الديمقراطية ومناهضة الكليانية الشيوعية، قد أسهم إسهاما لا
يستهان به في ممارسة النزعة الإنسانية. (34)

لقد كانت عملية تخدير غير عادية، أي عملية إعادة حقن جرعة كبيرة من
الأخلاقيات السياسية بمقياس عالمي. ويمكن القول إن كل علاقة قوة لا بد أن
تتظاهر بذلك وأن تكتسب كل قوتها لا لشيء إلا لأنها كاذبة وتبدي غير ما
تبطن، كما يقول بوردو. (35)

ولقد كانت انقلاب في الاجتماع، وانقلاب في الاقتصاد، وانقلاب في الفن،
وانقلاب في الدين، أدى كله إلى ظهور الشخصية الفردية (36)، والنزعة
الفردانية.

وبعد، فصحيح قول الدكتور لصاحبه، إن "حديث الحداثة مثير للجدل"! (37)

فالحداثة هي الإغراء الكبير الذي يحمل مبدأ التحقيق الذاتي غير المحدود،
والسعي وراء خبرة ذاتية أصيلة، وذاتية تحسُّس بالغ جداً للسيادة. يطلق
الإغراء بذلك دوافع لذّية، ليس لها أي رابط بنظام حياة الوظيفة، ولا
بالقواعد الخلقية لسيرة حياة عقلانية الهدف. (3ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة 38465

فالقوانين الحديثة تنشأ جوهريا انطلاقا من الحقوق الشخصية. وتفسح هذه
الحقوق لشخص قانوني مجالات قانونية ليتصرف بحسب أولوياته الخاصة. بذلك،
تُحِل، هذه الحقوق، الشخص ذا الحق بطريقة معدلة جيدا من أي تعليمات أو
وصايا خلقية من نوع آخر. في أي حال، لا أحد ملزم قانونيا، ضمن حدود
المسموح به قانونيا، بأن يبرر عمله علنا. بإدخاله الحريات الشخصية، يطبق
القانون الحديث – خلافا لنظم قانونية تقليدية – مبدأ "هوبس" القائل، إن كل
شيء مسموح به، ما لم يكن ممنوعا صراحة. وهكذا ينفصل القانون عن الأخلاق.
(39)

وينتج، عن ذلك، أن وضع الإنسان سلم قيم جديدة وفق مقاييس نفعية؛ فلم تعد
الكائنات تملك نظاما قيميا إلهيا، وإنما أضحت تخضع لنظام قيمه الذاتية.
وما هي إلا عقود قليلة من الزمن، حتى غدا هذا النظام الإنساني الجديد، كما
يقول "هايدجر"، مشوبا بشوائب التبدل والتحول، نظرا لفقد الطابع القدسي
الذي كان للنظام الإلهي القديم. (40)

ففي وصية الإمام علي (عليه السلام)، يذّكر ابنه الإمام الحسن (عليه
السلام) بأنه إذا عرف أن الله "إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ لَا
يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ وَلَا يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ
أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ وَآخِرٌ بَعْدَ
الْأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ
بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ"، فعليه أن يفعل "كَمَا يَنْبَغِي
(لِمِثْلِه) أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ
وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ وعَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي طَلَبِ
طَاعَتِهِ وَالْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:22 pm

لكن مشكلتي أني أصدّق "فعلا أن بالإمكان الحصول على أجوبة صحيحة لأسئلة
اليوم في كتب الأموات وسيرهم"(41) وأني اصدّق هذا لأني أظن أن الدين
يأمرني بذلك، أو أني أعتقد أن الدين هو بالتحديد ما أجده في كتب الأموات
وسيرهم. وليسمح لي القراء الأعزاء هذا الشطط في التعبير؛ لكني أجده لازما
لكي أوضّح رؤية الإمام علي (عليه السلام) للإنسان، وهو يخاطب من سيكون
إماما، وخليفة للمسلمين من بعده.
وفي حين أني لا أدعي لنفسي المعرفة اللازمة في علوم القرآن وتفسير آياته
الكريمة؛ وفي الوقت ذاته لا أجدني راغبا في المجادلة بالقرآن الكريم
إقتداء بقول الإمام علي (عليه السلام): لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ
فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَ يَقُولُونَ (42)؛ إلا
أني أجد نفسي مضطرا إلى أن استعرض بعض الآيات الكريمة التي تذكر كلمة
"الإنسان"، لنرى ما إذا كان "إنسان" القرآن الكريم يطابق الفكرة الفلسفية
التي "تقضي بوضع قيمة ومنزلة لعزة الإنسان وتتخذه محورا لكل شيء" وهي ذات
الفكرة التي "أبدلت محورية الإله بمحورية الإنسان، وهي التي جعلت من
الإنسان ميزانا في تقويم المسائل جميعها" (43)

وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا {النساء/28}
وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً {الإسراء/11}
وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا {الإسراء/67}
وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا {الكهف/54}
أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا {مريم/67}
خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ {الأنبياء/37}
وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا {الأحزاب/72}
َوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {يس/77}
وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ {فصلت/49}
قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ {عبس/17}

فإذا كانت هذه الآيات الكريمات يمكن اعتبارها بأنها تعكس "فكرة الفردانية،
أي تمجيد الفرد واعتباره مستقلا مكتفيا راشدا، التي سادت في الغرب منذ
بدايات عهد النهضة الأوروبية، ولا سيما منذ انتشار نظرية "توماس هوبس" في
العقد الاجتماعي؛ هذه الفكرة ذات أصل مكين في الثقافة الإسلامية."(44)
فإنه يبدو لي أننا نعيش، على المستوى الفردي أو الجماعي، في ظل مجتمع قابل
للتأثير والتأثر. فاحتكار الفكر عبر التأثير السيكولوجي، قد يؤدي في
النهاية إلى ضرر مزدوج تجاه المؤثِّر والمتأثِّر، خاصة إذا كان هذا
الاحتكار يستهدف تضليل الناس عن الحق وإبعادهم عن الحقيقة." (45)

وبما أن "الفردانية"، كما أوضحنا سابقا، هي سفسطة جدلية تستعمل لخدمة مآرب
من يلجأ إليها دون أي اهتمام بالحقيقة، ليتمكن صاحبها من البرهنة على صحة
القضية بعد البرهنة على صحة نقيضها، فإننا نعلم أن السفسطائي هو الذي يلجأ
بصورة منتظمة إلى حجج خادعة ليس لها من الصحة غير الظاهر في سبيل الوصول
إلى غاياته. (46)

ومن هذه الزاوية، يمكننا أن نعرج على منظور آخر للفردانية يسخره الدكتور السيف من أجل الوصول إلى غاية أخرى: حقوق الإنسان.

يقول الدكتور السيف: "ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن ضمور قيمة الفرد في
تراث المسلمين السابقين قد أورث ثقافتنا الحاضرة قلة اهتمام بالحريات
الفردية وحقوق الإنسان. ولهذا تجدنا متساهلين إزاء قمع الحريات العامة ولا
سيما حرية التفكير وحرية التعبير عن الأفكار، بل تجدنا ميالين – عن وعي أو
غفلة – للقبول باستبداد الحاكم ظنا بأن الحاكم القوي خير من الحاكم الضعيف
أو صرفا لفكرة القوة إلى الاستبداد." (47)

البلبلة نشأت بافتراض أنه من الممكن وجود حرية بدون قيود، ويبدو هذا
الافتراض في القول المنسوب لفولتير: عندما أستطيع أن أفعل ما أشاء، فتلك
هي الحرية؛ وفي تصريح بنتام: كل قانون شر، لأن كل قانون انتهاك للحرية؛
وفي تعريف لبرتراند راسل للحرية بأنها: عدم وجود عقبات لتحقيق رغباتنا.
(48)
وفي المقابل، ألم تعمل حقوق الإنسان درعا لعمومية كاذبة – لبشرية وهمية
استطاع الغرب الامبريالي أن يخفي وراءها ذاتيته ومصلحته الخاصة؟

إن فكرة حقوق الإنسان تُعبّر عن عقل غربي متجذر في الفلسفة الأفلاطونية
تحديدا. ويتجاهل هذا العقل بواسطة استنتاج خاطئ تجريدي حدود سياق نشوئه،
والاعتبار المحلي المجرد لمقاييسه التي قصد لها أن تكون عالمية. ولكل
التقاليد وصور العالم أو الحضارات مقاييس خاصة للحق والباطل، ممتنعة عن
القياس. أن خطابات التنوير إنما تتميز برجوعها الخاص إلى ذاتها. وهكذا فإن
خطاب حقوق الإنسان قابل لأن يستمع لكل الأصوات. لهذا فهو نفسه يسلّف
المقاييس التي في ضوئها تكتشف الانتهاكات المستترة للتطلب الذاتي وتصحح.
حقوق الإنسان التي تتطلب شمل الآخر تعمل في الوقت نفسه كأجهزة تحسس
لعمليات الفرز التي تمارس باسمها. (49)

إن وعد الحداثة كان هو تأكيد الفردانية/النزعة الإنسانية في الكون، لكن
تحققها تاريخيا يسير بنا، كلنا، بخطى حثيثة نحو موت الإنسان، بل وموت
الطبيعة. (50)

فهل يجب حين (البحث عن الحداثة) أن ننسى ديننا وكل ما يتصل به، وأن ننسى ما يضاد هذا الدين؟ (51)
إن عبارة "مجتمع إيماني" قريبة إلى حد كبير من عبارة "مجتمع تقليدي"، وأن
عبارة "علمانية شاملة" قريبة على حد ما من عبارة "حداثة". ومن ثم فمعظم
عمليات "التحديث" هي، في جوهرها، عمليات "علمنة".

ويمكننا أن نلخص النزعة الفردانية بمقولة "نيتشه": لقد ماتت كل الآلهة؛ والآن تريد أن يحيا الإنسان الأعلى! (52)

فإذا كان "ديكارت" هو أول من صاغ مبدأ الذاتية، وكان "لايبنتز" هو أول من
عرض مبدأ العقلانية، فإن نيتشه هو أول من ذكر مبدأ العدمية. ويقصد بهذا
المبدأ أن "لا قيمة للقيم"؛ أي أن ما كان في العصور السالفة مبادئ راسخة
ثابتة ومثلا عليا سامية صار، مع مجيء عصر الحداثة، عَدَماً أفقد القيم كل
معنى أو حقيقة. وأصبحت العدمية، بذلك، دليلا على افتراس العدم للأخلاق
والدين. (53)
==========
هوامش:
1- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 64
2- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 64 – 65
3- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 15
4- التراث المسروق – الفلسفة اليونانية: فلسفة مصرية مسروقة، جورج جي. إم. جيمس، ص 41
5- أبو العلا عفيفي، تصدير فصوص الحكم – ابن عربي، ص 35 – 36
6- عبد الرحمن بدوي، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، ص 44
7- ديفيد سانتلانا، المذاهب اليونانية الفلسفية في العالم الإسلامي، ص 108
8- مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، تعريب محمد الشيخ و ياسر الطائري، ص 12-13
9- حسن الكحلاني، الفردانية في الفكر الفلسفي المعاصر، ص 8
10- حسن الكحلاني، الفردانية في الفكر الفلسفي المعاصر، ص 24
11- حسن الكحلاني، الفردانية في الفكر الفلسفي المعاصر، ص 25
12- جان بول سارتر، الوجودية مذهب إنساني، ص 64 – 66
13- American Humanist Association, Humanist Manifest III, 2003
14- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 64 – 65
15- توماس هوبس، الليفياثان، فصل 13) (http://oregonstate.edu/instruct/phl3...viathan-c.html)
16- لويس دومون، مقالات في الفردانية – منظور أنثروبولوجي للأيديولوجية الحديثة، ص 129
17- بيير مانييه، مدينة الإنسان – دراسة فكرية، ص 189
18- توماس هوبس، الليفياثان، فصل 8
19- بيير مانييه، مدينة الإنسان – دراسة فكرية، ص 172
20- بيير مانييه، مدينة الإنسان – دراسة فكرية، ص 69
21- عبد العال عبد الرحمن عبد العال، الإنسان لدى فلاسفة اليونان في العصر الهيليني، ص 70
22- عبد العال عبد الرحمن عبد العال، الإنسان لدى فلاسفة اليونان في العصر الهيليني، ص 79
23- عبد العال عبد الرحمن عبد العال، الإنسان لدى فلاسفة اليونان في العصر الهيليني، ص 80
24- تاريخ الفلسفة اليونانية، وولتر ستيس، ص 106 – 107
25- تاريخ الفلسفة اليونانية، وولتر ستيس، ص 110
26- عبد الرحمن بدوي، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، ص 16
27- خليل أحمد خليل، السارترية: تهافت الأخلاق والسياسة، ص 64
28- إديث كريزويل، عصر البنيوية، ص 81
29- خليل أحمد خليل، السارترية: تهافت الأخلاق والسياسة، ص 65
30- عبد الرحمن بدوي، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، ص 58
31- خليل أحمد خليل، السارترية: تهافت الأخلاق والسياسة، ص 5
32- إدوارد سعيد، الأنسنية والنقد الديمقراطي، ص 54
33- إدوارد سعيد، الأنسنية والنقد الديمقراطي، ص 71
34- إدوارد سعيد، الأنسنية والنقد الديمقراطي، ص 55
35- بيتر بروكر، الحداثة وما بعد الحداثة، ص 244
36- أحمد أمين و زكي نجيب محمود، قصة الفلسفة اليونانية، ص 5
37- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 60
38- يورغن هابرماس، الحداثة وخطابها السياسي، ص 19
39- يورغن هابرماس، الحداثة وخطابها السياسي، ص 210
40- مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، تعريب محمد الشيخ و ياسر الطائري، ص 13
41- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 15
42- نهج البلاغة، مركز الإشعاع الإسلامي، ص 465
43- هدى العلوي، بناء الحضارة الغربية – مكونات الحداثة وعناصر النهضة، فصلية نصوص معاصرة، العدد التجريبي 2004، ص 250
44- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 64
45- فؤاد عبد السلام الفارسي، قضايا سياسية معاصرة، ص 271 – 273
46- الجدل بين أرسطو وكانط، محمد فتحي عبد الله ص 12
47- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 65
48- ف. أ. هايك، الغرور القاتل – أخطاء الاشتراكية، ص 81 – 82
49- يورغن هابرماس، الحداثة وخطابها السياسي، ص 216
50- عبد الوهاب المسيري، دراسات معرفية في الحداثة الغربية، ص 40
51- طه حسين، في الشعر الجاهلي، ص 3
52- فريدريش نيتشه، هكذا تكلم زرادشت – كتاب للجميع ولغير أحد، ص 157
53- مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، تعريب محمد الشيخ و ياسر الطائري، ص 14
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:23 pm

أيديولوجية الدعوة إلى الحداثة – 8 – ج1


تحار في وصفها العقول. تهيم في عشقها القلوب. تغريك، لتعتقد أنك، معها، تصل إلى اللاحدود.

تراودك عن نفسها بدلال؛ فإن لم تستجب، فبعنفٍ يتعدى الحدود.

تدعوك لتمارس، معها، أقصى ما يمكن أن تتخيّل ... حتى الثمالة ... في المجون، وفي الجنون.

رومانسية ... هي!

فهل تقوى، أيها العجوز، أن تتخطى الحدود ... أو تقبع – في حبها – في السجون ... أو مجنون ليلى تكون؟

أحاول التودد بهدوء ... فتذكرني أن شراكها أقوى من أن يكون وصالها من ذلك النوع الذي أوصى به صاحبنا أفلاطون!

إذن، فهي لعوب!

نعم! فلم يخفق قلب مثلما خفق لمثلها! وما احتار فهمٌ مثلما احتار بها!

هي، إذن، "أم المشاكل"!

فهل أكون، أو لا أكون؟

إن الإجابة على هذا السؤال هو الذي سيكشف لنا عن معنى القيم، ومعنى الفعل، ومعنى القلق، ومعنى الوجود الإنساني بأسره. (1)

فمن تكون؟

يصفها الدكتور توفيق السيف بأنها "حاجة إنسانية عظيمة لا تحتاج إلى إذن من أحد ... ولا مكان للضابط فيها (أو) المنع والاحتكار"

ماذا عن الفوضى التي تنشأ عن عدم وجود الضوابط معها؟ فيجيب الدكتور السيف: "إنها فوضى مطلوبة"!(2)

ألم أقل لكم أنها ... لعوب؟ فمن الفوضى – يعتقد السيف – تنبثق الضوابط ... كما كان مع الثورة الفرنسية!

وسواء كانت الثورة الفرنسية والفوضى التي أعقبتها، أو فوضوية باكونين
ونتشاييف، أو "الفوضى المطلوبة" عند الدكتور السيف، فكلها تلتقي عند مهمة
تدمير المجتمع الحاضر، ورفض الوجود التقليدي الذي تتهمه بالتخلف.

فهي – صاحبتنا – تعني لدى كل هؤلاء: التحرر التام من المجتمع! (3)

فكما كان الحال مع فولتير الذي هدّم، ولم يُعِدْ بناء ما هدم ودمّر، وروسو
الذي مثّل الفكر الأساسي في الثورة الفرنسية الذي كان دوره متحققا في
النقض والتدمير، كان، أيضا، برودون يشير إلى الفوضى بقوله: إنني لا أمتلك
(ضابطا)، ولا أريد أن أملكه، وأرفض الفكرة بتاتا، فنظام الإنسانية لن
يُعْرَف إلا في نهاية الإنسانية.

هكذا كان حال كل الذين "يغازلون" صاحبتنا، أو يغازلون المجتمع بها...
طالبوا (الانقلابيون، والماركسيون، والفوضويون، وحتى الليبراليون) جميعا
بتهديم المجتمع القائم تهديما تاما، دون أن يحددوا بالضبط ماذا يبغون بدلا
عنه، أو يدللوا على المجتمع الذي يجب أن يحل محله، (4) غير الفوضى التي
يتفق جميعهم على أنها مطلوبة على أنقاض المجتمع المهدّم!

سبحان الله! ما هذه المطيّة الطيّعة التي يمتطيها كل من يعتقد أن مجتمعه
ضائعا متخلفا، فيحتاج في نظره إلى التدمير والتهديم، فيضعها في مقدمة
معاول التدمير والتهديم وكأنها تقول للجميع: هيت لكم ... فإذا هم، في
نهاية الأمر، يطاردون خيط دخان!

يصفها الشيخ محمد رضا المظفر بأن لها "تأثير سحري عجيب في الأفكار"! فهي
قد أخذت مفعولها من الثورة الفرنسية، وأحداث الانقلابات الجبارة في الدولة
العثمانية والفارسية ... لكن تأثيرها كله ناتجا عن إجمالها وجمالها السطحي
الفاتن، وإلا فلا يستطيع العلم أن يحدها بحد معقول يتفق عليه.

ويتابع الشيخ المظفر حديثه عنها، بقوله: قد (يستغل) الجدليون والساسة – عن
عمد وحيلة – جمالها وإبهامها للتأثير على الجمهور، وليتركوا كل واحد يفكر
فيها بما شاءت له خواطره الخاطئة أو الصحيحة، فيبقى معناها بين أفكار
الناس كالبحر المضطرب.

وبينما، هي، لا تعدو كونها – عند المظفر – لفظا خلابا غير محدود المعنى بحدود واضحة، (5) يعتبرها الدكتور السيف "أمٌ .... للعلم" (6)

إنها ... الحرية!

وأساس البلبلة– هذه – نشأت بافتراض أنه من الممكن وجودها (صاحبتنا:
الحرية) بدون قيود. ويبدو هذا الافتراض في القول المنسوب لفولتير: عندما
أستطيع أن أفعل ما أشاء، فتلك هي الحرية. (7)

وسيأتي أحدهم ليقول أن الدكتور السيف "يتكلم عن حرية التعبير"، وليس الحرية بمطلقها؛ فصاحبته، إذن، غير صاحبتك! قد تكونا كذلك؟

لكنه، في كتابه: الحداثة كحاجة دينية، يذهب إلى أبعد من "حرية التعبير"،
مستشهدا بجزء من آية كريمة: "إن إصلاح الثقافة يستهدف ..... تحريره من
سطوة السلطة وقمع المجتمع وقيود الخرافة والتقاليد، وهذا مفهوم الآية
المباركة التي تعتبر انعتاق الإنسان واحدا من أبرز أهداف الرسالة
السماوية: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ) (Cool

مع أن الآية في تمام سياقها تتحدث عن شيء آخر مختلف عما يطرحه الدكتور
السيف، ويستدل بها على الحرية: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ
عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ" {الأعراف/157}

جاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي، ج4، ص 374: (ويضع عنهم إصرهم) أي:
ثقلهم. شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل، وذلك أن
الله سبحانه جعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا، وجعل توبة هذه الأمة الندم
بالقلب، حرمة للنبي (ص)، عن الحسن. وقيل: الإصر: هو العهد الذي كان سبحانه
أخذه على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة، عن ابن عباس، والضحاك،
... ويجمع المعنيين قول الزجاج: الإصر: ما عقدته من عقد ثقيل. (والأغلال
التي كانت عليهم) معناه: ويضع عنهم العقود التي كانت في ذمتهم، وجعل تلك
العهود بمنزلة الأغلال التي تكون في الأعناق، للزومها، كما يقال هذا طوق
في عنقك. وقيل: يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة،
وقرض ما يصيبه البول من أجسادهم، وما أشبه ذلك، من تحريم السبت، وتحريم
العروق، والشحوم، وقطع الأعضاء الخاطئة، ووجوب القصاص دون الدية، عن أكثر
المفسرين.(9)

والآية تخاطب أهل الكتاب، وتحل لهم الطيبات مما حرم في شرعهم، وتحرم عليهم
الخبائث من الميتة ونحوها، "ويضع عنهم إصرهم": ثقلهم "والأغلال": الشدائد
"التي كانت عليهم": كقتل النفس في التوبة، وقطع أثر النجاسة. (10)

إلا إذا كان الدكتور السيف يقصد بـ "سطوة السلطة وقمع المجتمع وقيود
الخرافة والتقاليد" هو الذي يصفه الطبرسي بأنه "العهد الذي كان سبحانه
أخذه على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة"؛ أو الذي يصفه المحلي
والسيوطي بـ "شرعهم"؟

الحرية، إذن – عند الدكتور السيف – تذهب إلى أبعد من حرية التعبير، إلى التحرر من "السلطة (أي كانت) .. والمجتمع .. والتقاليد"!

فهي – عنده – مثل تلك التي ذكرها "حايك" عند فولتير، و"البيطار" عند
الانقلابيين، والماركسيين، والفوضويين، والليبراليين ... بل أكثر بقليل:
عندما أستطيع أن أقول، أو أفعل ما أشاء، فتلك هي الحرية التي يدعو إليها
في الحداثة التي يعتبرها "كحاجة دينية"!

==========
مصادر:
1- زكريا إبراهيم، مشكلة الحرية، ص 11
2- راصد، الدكتور توفيق السيف يطلقها "لا ضوابط في حرية التعبير عن الرأي"، 21/9/2007
3- نديم البيطار، الأيديولوجية الانقلابية، ص 253
4- المصدر السابق، ص 254 – 255
5- محمد رضا المظفر، المنطق، ص 91 – 92
6- راصد، مصدر سابق
7- ف. أ. هايك، الغرور القاتل – أخطاء الاشتراكية، ص 81
8- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 66
9- تفسير مجمع البيان للطبرسي، ج4، ص 374
10- تفسير الجلالين، ص 217
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالخميس أبريل 30, 2009 1:24 pm

أيديولوجية الدعوة إلى الحداثة – 8 – ج2

توقفت في الجزء الأول من هذه الحلقة (الثامنة) قبل حوالي 16 شهرا عند
النقطة التي يتحدث فيها الدكتور توفيق السيف في كتابه "الحداثة كحاجة
دينية"، ويذهب فيها بالحرية إلى أبعد من "حرية التعبير"، مستشهدا بجزء من
آية كريمة: "إن إصلاح الثقافة يستهدف ..... تحريره من سطوة السلطة وقمع
المجتمع وقيود الخرافة والتقاليد، وهذا (عنده) مفهوم الآية المباركة التي
تعتبر انعتاق الإنسان واحدا من أبرز أهداف الرسالة السماوية: (وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (1)

وقد بيّنت عمق التغليط الذي اقترفه الدكتور السيف باستشهاده بتلك الآية
المباركة، فلا حاجة بأن أعود إلي ذلك مرة أخرى هنا. فسوف أتجاوز كل
مغالطات "الحداثة كحاجة دينية" في هذا الجزء من حلقة "الحرية" لأبحر في
المعاني الفلسفية لحرية الحداثة وما بعد الحداثة، أسبابها، وتأثيراتها
الاجتماعية.

ينقل يورغن هابرماس – عن دانيال بل، أحد المحافظين الجدد في أمريكا –
بقوله أن الحداثة هي "الإغراء الكبير الذي يحمل مبدأ التحقيق الذاتي غير
المحدود، والسعي وراء خبرة ذاتية أصيلة، وذاتية تحسُّس بالغ جدا للسيادة.
يطلق الإغراء بذلك دوافع لذيّة، ليس لها أي رابط بنظام حياة الوظيفة، ولا
بالقواعد الخلقية لسيرة حياة عقلانية الهدف ... أي إلى حضارة حداثيتها
تنشر العداوة ضد تقاليد وفضائل الحياة اليومية .." (2)

ومبدأ التحقيق الذاتي غير المحدود، هذا، يبدأ عند هيجل الذي يعتبره
هابرماس المؤسس الفعلي للحداثة، فيقترن لدى هيجل "مفهوم الذاتية بالحرية
والتفكير". (3)

وهذا المفهوم بالذاتية المطلقة في فكر هيجل ينطلق من تأليهه لنفسه: "إن
أرقى وعي الله هو وعي هيجل. فالله هو هيجل"! وهذا ما عبر عنه الشاعر هاينه
في كتابه "اعترافات"، وقد كان تلميذا لهيجل بين 1821 و 1823 بقوله: "كنت
يافعا وفخورا، وكان يزيدني زهوا أن أتعلّم من هيجل بأن الذي يسكن السماء
ليس الله – كما كانت تعتقد جدتي – وإنما الله هو أنا بذاتي هنا على
الأرض"! (4) ومن هنا تنبثق فكرة الحرية الحداثية التي "لا يسعها إلا إطاعة
الشهوات والميول." (5)

وتحقيق الذات، هذه، هي نوع من النزعة الإلحادية، بل – كما يؤكد بول يكور – بقوله: إنها نزعة إلحادية مثالية (6)

فإذا كان التأسيس الفعلي عند هيجل، وفي زمنه وجزء من فلسفته المبنية على
فكر التنوير والثورة الفرنسية، (7) فإني أرى أن الحداثة ما هي إلا جزء من
الفكر العام للتنوير مثلها في ذلك مثل الماركسية التي تطورت من فلسفة هيجل
المؤلهة للإنسان، والتي يؤكد هابرماس – الذي ينتمي إلى مدرسة فرانكفورت
والتي كانت مهمتها بلورة فكر تنويري جديد مرتبط بالماركسية – بأنها
(الماركسية) "ما هي إلا جزء من فكر التنوير" (Cool

الإنسان – عند الماركسية – هو وجود نوعي، ليس فقط لأنه يتبنى النوع في
ممارسته ونظريته كموضوع له ... ولكن ... لأنه أيضا يعامل نفسه على أنه
النوع الفعلي الحي؛ وعلى أنه كائن شامل، وبالتالي حر. (9)

وقد ادّعى التنوير سعيه باستمرار إلى عتق الإنسان وتقرير حريته وسيادته.
ومن العجب أن هذه الأرض التي ينتشر فيها التنوير والحرية هي نفسها التي
تزهو بالكوارث المتفجرة (10)

والتنوير الذي كان يدّعي أن هدفه الأصلي هو تحرير العقل البشري من
الأسطورة، تحول هو ذاته إلى أسطورة تخفي الهيمنة والسيطرة والتسلط، وسعى
إلى تأييد الواقع السائد، ولم يعد يخدم قضية الحرية، بل حرص على إخضاع كل
شيء متفرد تحت لوائه، وجعل حرية السيطرة الكامنة فيه تسود الأشياء ثم ترتد
إلى وجود الإنسان نفسه ووعيه. وأنتجت النزعة العقلية غير الثورية تسلطية
جديدة، وأصبح الهدف النهائي للعقل المستنير هو السيطرة على الطبيعة عن
طريق التكنولوجيا. فالعقل الذي حرر الإنسان من سلطة الطبيعة، يبرر الآن
سيطرته على الإنسان نفسه باعتباره جزءا من الطبيعة التي يسيطر عليها، بل
ويقوم بعملية تكيف مع حضارة لا إنسانية. (11)

وبعدما أعلن ماركس أن الدين هو "أفيون الشعوب"، جاء بعده نيتشه الذي يعتبر
المؤسس لفكر ما بعد الحداثة ليعلن أنه لم يعد بإمكاننا التأكد من أي شيء،
فالأخلاق كذبة والحقيقة خيال والإله قد مات، ولا يبقى أمامنا إلا الخيار
الدايونايسي (نسبة إلى الإله الإغريقي دايونايسوس، إله المسرح والخمر)،
وهو يتنبأ "بأن الانتصار التام والنهائي للإلحاد سيحرر الإنسانية" (12).
وبعده يحاول روزنزويغ Rosenzweig أن يحرر الإله: "إن الله نفسه يتحرر من
خلال خلاص العالم على يد الإنسان، وخلاص الإنسان في العالم" (13)

ويكتمل مسلسل مقدسات الحداثة، وما بعد الحداثة، وما بعد – بعد الحداثة مع
"اوشو" وكتابه "الحرية: الشجاعة على أن تكون ذاتك" ليكمل ما بدأه هيجل،
وماركس، ونيتشه: "إذا كان هناك إله، فالإنسان لا يمكن أن يكون حرا .. ذلك
مستحيل. لذلك أعلن نيتشه: لا بد من موت الإله ... لكن ذلك هو، فقط، جزء
مما ينبغي عمله ... الجزء الآخر هو: موت الدين! وبموت الدين، يموت معه
الكاهن، والحاخام، والإمام ... ثم يغلق المسجد، والمعبد، والكنيسة...
عندئذ، فقط، يكون الإنسان حرا" (14)

يبقى أن عددا من المواقف الهيجلية والماركسية والنتشوية والسارترية إزاء
قضية التغيير في المجتمع قد تسرب في النظريات المتعددة للوجودية
والبنيوية، وما بعد البنيوية، والسيميولوجيا، ذلك على الرغم من أن ممثلي
هذه النظريات كانوا ينظرون إلى أنفسهم – في الغالب – بوصفهم غير هيجليين
أو ماركسيين، أو حتى أنهم معادين للشيوعية. (15)

فوكو – على سبيل المثال – يسلم بوجود حقب تاريخية تهيمن عليها شفرات
معرفية تناظر الأبنية المهيمنة، كما يسلم بأن بعض الأبنية يسمح بظهور
الماركسية أو يبشر بها. (16)

فممارسات ما يسمّى بـ "العصر الجديد New Age" والتي يُدّعى أنها من علوم
"التنمية البشرية"، مثل تفكير العصر الجديد New Age Thinking والبرمجة
العصبية اللغوية NLP، والتي يقول أبوها الروحي جريجوري باتيسون أن الإنسان
قد ضاق ذرعا بالإله، فطرده من الجنة (17) ليكتسب حريته (حرية الإنسان) ..
كل هذه الممارسات تنبع من التسمية التي ابتدعها هيجل: العصر الجديد New
Age. (18)

الحداثة، إذن، تفرض علينا مقدساتها التنويرية، تحت شعارات تنادي بتحرير العقل من قيود المقدسات.

فما هي هذه الحرية؟

لقد وضع سقراط لحرية الرأي فلسفة ونظاما. فحرية الفعل والقول كانت من السمات البارزة في النظام السياسي الأثيني. (19)

وجون ستيوارت ميل خصها بكتاب: "عن الحرية"، يقول فيه: لا يزعم أحد أن
الأفعال يجب أن تكون حرة شأنها شأن الآراء الحرة. على العكس، حتى الآراء
تفقد حصانتها، عندما تكون الظروف التي يعبر فيها عن تلك الآراء على نحو
يشكل فيه التعبير عنها تحريضا ايجابيا لبعض الأعمال الفوضوية الضارة. إن
الرأي القائل بأن تجار الذرة هم مجوّعو الفقراء، أو أن الملكية الخاصة
سرقة، لا ينبغي أن يتدخل فيها أحد عندما يتم تداولها ببساطة. لكنها تستدعي
عقابا عادلا عندما يصرح بها شفاها على حشد من الجماهير المهتاجة المتجمعة
أمام منزل تاجر من تجار الذرة، أو عندما توزع على نفس الحشد على شكل
لافتات. (20)

وجاء آدم فيرجوسون ليقيدها بقوله: ليست الحرية أو الليبرالية، كما قد يبدو
من أصل الاسم، إعفاء من كل القيود، بل إنها في الواقع أكثر الاستخدامات
فعالية لكل قيد عادل على كل أعضاء مجتمع حر، سواء كانوا حكاما أم رعايا.

فالحرية قد تقارنها أو تلزمها القيود. ولكن القيود – عند سري نسيبة –
خارجة عن مفهوم الحرية، وليست جزءا من طبيعتها. الحرية، بحسب طبيعتها، هي
الحرية مطلقا وبدون قيود، كالجمال الذي هو أيضا وبحسب طبيعته، جمال بدون
قباحة. فإن كانت الحرية من حقي الطبيعي، فتكون حرية بلا شروط. وإن قيل إن
الحرية بشرط من حقي الطبيعي، فلا تكون الحرية من حقي الطبيعي أصلا، مهما
كان الشرط، لأن لا معنى أصلا للحرية المشروطة. فأن تكون الحرية المقيدة هي
من حقي الطبيعي، هذر من الكلام. (21)

ويستطرد سري نسيبة في حديثه عن الحرية متسائلا: ما هي حرية التعبير في
رأيك؟ قد تجيب فتقول إنها الحرية التي لا تسمح بالتشهير والشتيمة والمس
بالشعور والتي تسمح لك بأن تعبّر عن رأيك بصراحة، فيما عدا ذلك. فهل تخلط
بين ما تعتقد أن حرية التعبير يجب أن تكون، وبين ما هي حرية التعبير فعلا؟
(22)

فقط عند الفوضويين تكون الحرية بدون قيود كما يعبر عنها باكونين بأن
"قوانين طبيعتنا الخاصة هي بمثابة الأرضية الحقيقية لوجودنا والأصل الفعلي
لحريتنا" وهي عند شومسكي أساسا لـ"نظرية أخلاقية ليبرالية مهمتها تحديد
هذه القوانين وتأسيس أرضية حقيقية لتحول اجتماعي له أهدافه على المدى
الطويل". وبعبارة أخرى، تنخرط السياسة الشومسكية في المشروع الفوضوي
لمجتمع تحدده كلياته الطبيعية (23)

في العالم الإسلامي، تأتي الإشارات الأولى على استخدام مصطلح "الحرية"
بمعنى سياسي محدد في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر في زمن
الإمبراطورية العثمانية، ويعود إلى التأثير الأوروبي على الإمبراطورية،
وكانت أحيانا تظهر كترجمة مباشرة من مصادر أوروبية. ويعد مصطلح "سربستيت"
Serbestiyet، تجريد لمصطلح "سربست" Serbest، والذي يصف في الاستخدام
التركي الرسمي "غياب حدود أو قيود معينة". (24)

فهل كان هذا ما يقصد والدي – يرحمه الله – عندما كان ينعتني بـ "السربوت" في أوقات فوضويتي؟

===========
مصادر:
1- توفيق السيف، الحداثة كحاجة دينية، ص 66
2- يورغن هابرماس، الحداثة وخطابها السياسي، ص 19 – 20
3- يورغن هابرماس، القول الفلسفي للحداثة، ص 16
4- رينيه سرّو، هيجل والهيجلية، ص 51
5- المصدر السابق، ص 62
6- بول ريكور، محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا، ص 75
7- يورغن هابرماس، القول الفلسفي للحداثة، ص 17
8- يورغن هابرماس، بعد ماركس، ص 5
9- كارل ماركس، المخطوطة الأولى، ص 112
10- ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو، جدل التنوير، ص 25
11- عطيات أبو السعود، الحصاد الفلسفي للقرن العشرين، ص 71
12- فريدريك نيتشه، جينالوجيا الأخلاق، ص 78
13- يورغان هابرماس، الفلسفة الألمانية والتصوف اليهودي، ص 54
14- OSHO، Freedom: The Courage to Be Yourself، صفحة 23 – 26
15- إديث كريزويل، عصر البنيوية، ص 19
16- المصدر السابق، ص 83
17- كيني فينسينت Vincent Kenny، مجلة AlfaZeta، يناير 1998
18- Jurgen Habermas, The Philosophical Discourse of Modrnity صفحة 5-6
19- الأصول اليونانية للفكر السياسي الغربي الحديث، فضل الله محمد اسماعيل، ص 36
20- جون ستيوارت ميل، عن الحرية، ص 89 – 90
21- سري نسيبة، الحرية بين الحد والمطلق، ص 18
22- المصدر السابق، ص 27
23- م.بيشو، ف.كادي، آلة الدولة توجد داخل الرؤوس
24- برنارد لويس، الإسلام في التاريخ – الأفكار والناس والأحداث في الشرق الأوسط، ص 477 – 478
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هاشمي
مراقب
مراقب
هاشمي


الأوسمه :

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Alfaris_net_1247590017

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Alfaris_net_1247590388
ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة ___10
ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة 13



عدد المشاركات : 523
الموقع : في عالم الأفكار والخيال

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالجمعة مايو 01, 2009 6:40 am

لي عودة
يبدو أنه مقال شيق


تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أثير المحبه
الإداره
الإداره
أثير المحبه


الأوسمه : ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة _14
عدد المشاركات : 1279
الموقع : زحل

ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة   ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة I_icon_minitimeالجمعة مايو 22, 2009 9:39 pm

باانتظار عودتك أخي الموقر

نوورت

ولك خالص ودي وتحياتي

موفقين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ايديولوجية الدعوة إلى الحداثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ©?°¨¨°?©©?°¨¨°?© القســم الإجتماعي ©?°¨¨°?©©?°¨¨°© :: أثير العام-
انتقل الى: